الثلاثاء، 18 مارس 2014

السلفيون يحملون إكسيرهم

السلفيون يحملون إكسيرهم
05-07-1433 09:42

محمد عبد الله الهويمل :

من عصر النهضة إلى العقود الفارطة إلى حاضرنا الحاضن لهذه التبدلات والنتائج ، تعتمل مواجهة باردة وساخنة على صعيد المصطلحات وتنتهي بانتهاء حقبة أيديولوجية وبداية أخرى.
وحرب المصطلحات والمفاهيم والألقاب والتصنيفات درجة التنابز تفعل فعلهاعلى مستوى المعنويات بهدف إضعاف الموقف والإرادة لدى الفريق الآخر. فحرب التصنيفات بين الليبراليين والإسلاميين في السعودية مثلاً رسخت نهاية نال فيها المحافظون ما يريدون وانتزعوا اعترافا من خصومهم بأنهم محافظون وإسلاميون لا غير ، بعد أن شن الليبراليون حرباً تصنيفية ضدهم ، تختزل في (المتطرفين والظلاميين والرجعيين) .ولكن كل ما سلف لم يلتصق بهم في حين أن الليبراليين تسموا بالإصلاحيين والتنويريين والوطنيين، ودافعوا عن دلالة هذه التصنيفات على مواقفهم وشخوصهم، لكن النتيجة حسمت إلى وصفهم بالليبراليين ، وخرجوا بأقل الخسائر بعد أن وصفوا من لدن خصومهم بـ (العلمانيين والتغريبيين...).

الشبكة الصوتية لأي مفردة تأخذ مداها السلبي والإيجابي داخل الذاكرة وترتطم بموجوداتها. وعوامل الحسم الآنفة مرتهنة بلعبة الذاكرة والوعي الشعوري تجاه المفردة ودلالتها الطبيعية من رحم التجربة التاريخية ونشاط المؤرخ الأول.

وكل مفردة تكتنز دلالتها من نشاطها المرتبط بهذه الدلالة ، وبعد أن تحسم هذه الدلالة كامل العلاقة بين اللفظ والمعنى تبرز القيمة الصوتية كمعبر أحادي عن هذه الكلمة ، ولاسيما وقعها الاول على الذاكرة ، وتبوؤها محدداً إشارياً واحداً.

محددات الذاكرة الإشارية هي التي تدير معارك المصطلحات والتصنيفات. تدخل مفردة (السلفية) هذا المعمان الصاخب بموروثها الصوتي ، والكم المهول من استخداماتها ودلالاتها التي لا تكاد تتجاوز حقلاً معنوياً واحداً وإيجابياً ، يتم إحالته آلياً إلى قيمة دينية نزيهة ومثالية، تعطي دلالة الاتباع والسنة كشكل من (الاستسلام) الذي هو الإسلام نفسه.

كلمة (سلفية) مباشرة لا تعطي إحالة إلى متعدد ، أو هي خارج القاموس والموسوعة ، ليست كما بقية المفاهيم الفضفاضة أو الملغوزة ، لأنها محالة إلى (السلف) المحسومين عند العلماء بأنهم الذين عاشوا في القرون الثلاثة الأولى ، وإن اختلف البعض حول الفترة الزمنية تحديداً ، لكن الحالة الثقافية ليست ضمن المتنازع ، فإذا قيل (علماء السلف) فهو تعبير ليس مطاطا بل هو محسوم بأنهم ذوو مواصفات زمنية وخلقية وعقدية وعبادية محددة بشرط حاد ما جعل (السلفية) متفرغة للعمل لسلفيتها دون الخوض في هوامش مترهلة ذات صلة بكينونتها وتعريفها ومحدداتها ، لأنها وللحق ناصعة قاموسياً للمحب والشانئ.

نصاعة القاموس وإيجابية دلالته الصوتية سهل من تنقل السلفية ، ودخولها الانسيابي في خيارات المسلمين جميعاً ، وجعل لها حصانة على مستوى المفردة (السلفية)، وأحاطها بهالة من التقدير حتى عند خصومها داخل الشرط الأكبر لأهل السنة ، بل كلٌّ يدعي وصلاً بها، وامتد إلى الطوائف غير السنية المتشوفة إلى هذا اللقب الأخّاذ ذي الكاريزما الطاغية. وتحرك السلفيون حاملين هذا إكسيرا نادرا نالوه بعد مناكفات مع خصومهم على الصعيد الشيعي والصوفي والليبرالي والاستشراقي ، وخلصوا إلى المحافظة عليه على غفلة من خصومهم لظن خصومهم أنهم أضعف من أن يناكفوا إبان دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لكن السلفية أسست دولة عظمى في المنطقة ، وصارت مركزاً علمياً إسلامياً ، ونضجت مفردة (السلفية) إلى اصطلاح علمي ذي شروط إسلامية غير قابلة للتجاوز، ثم دخلت السلفية بهذه الخلفية الكارزمية جدالات شتى ، استثمرت إكسيرها الذي يحيل تلقائياً إلى صحابي وتابعي وزاهد، ولم تفلح كل محاولات خصومها في خدش (السلفية) بوصفها اللقب الإسلامي الأول والأوحد، وإن نالت من بعض أفرادها إلا أن نزع السلفية عن معتنقيها عملية كيميائية بالغة الخطورة والمجازفة، وكثيراً ما آلت إلى فشل انعكس انعكاساً فادحاً على خصومها ما عزز من حضورها أكثر في ميادينهم ومصر شاهد عيني ماثل على هذا.

عندما نتحدث عن إكسير السلفية فعن قوة ذاتية لا تعوزها تدخلات خارجية لتمنحها تفوقاً ، فالداعية السلفي لا يتأبط كتاباً خاصاً لا يشترك فيه مع مخالفيه السنة ، أو قرآن مع مخالفيه خارج السنة .فهو وللحق قوي الشخصية في كل حواراته ، بل لم أعثر على خصم له بقي داخل موضوع الحوار إلا اضطره إلى المراوغة.

وينهض في مقابل السلفية عند أهل السنة مسمى (الصوفية) ، وهي الأخرى ذات توصيفات صارمة تعزلها بالكلية عن موصوف السلفية حتى باتت على النقيض منها غير أن الإكسير الدلالي والصوتي يخذل الصوفية بسبب مخزونها الإشاري السالب المرتبط بالخرافة والشهوانية العقدية ما جعلها حيناً تشتم السلفية لفظاً ودلالة وحيناً تحاول أن تكسب اللفظة فقط ، وتقع آنئذٍ في الانفصام الذي برئت منه السلفية ما ميز الأخيرة من تكامل مع مكونات الشخصية روحياً وأخلاقياً وعقدياً واتباعاً ما لا تجده عند الصوفي الذي يحب ولا يتبع .وكفى به انشطاراً فاضحاً في إنسانيته فضلاً عن صوفيته.
يتدخل ناقد راصد حداثي علماني إلحادي لكشف بعد تفوق السلفية وهو أدونيس ساعة يقول إن الوهابية هي إعادة تبويب الإسلام ومحمد بن عبد الوهاب لم يأت بجديد!! .وهذا في ظني كاشف عن إكسير البساطة الأولى للإسلام الذي تتمتع به السلفية دون غيرها ، فلا نجد تحولاً من سلفي إلى آخر على حين نرصد النماذج الكثيفة للاتجاه نحو إكسير السلفية.

السلفية فازت باللقب الإسلامي طوعاً ، وبشبكته الصوتية وبنجاحاته ، بل واستشرافاته وستبقى السلفية ناهضة ما بقيت على بساطتها ، وستبقى ما بقيت عقيدتها في منأى عن أي تدخل خارجي لتطوير التصور العقدي كما هو شأن غيرها ، فعندها ستفقد إكسيرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق