الثلاثاء، 18 مارس 2014

أساس وحدتنا الوطنية .. صالح الحصين


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه


منذ أن بدأ ظل الإسلام السياسي يمتد ليشمل رقعة واسعة من الكرة الأرضية تمتد من حدود الصين وحتى جنوب فرنسا ويشمل شعوباً مختلفة وديانات متعددة حافظ المسلمون على سياسة واحدة لم تتغير في أي مكان من العالم الإسلامي ولا في أي فترة من تاريخه حتى سقوط الخلافة العثمانية.
 لقد مُنحت الشعوب والديانات الواقعة تحت السلطان السياسي للمسلمين ليس فقط حق المواطنة أو حرية العبادة أو حماية المعابد بل أعطى أهل الأديان غير الإسلام الحق في أن يكون لهم قوانينهم الخاصة وقضاؤهم الخاص والاحتفاظ بلغاتهم وثقافتهم وتنشئة أطفالهم عليها ومن الناحية القانونية استثنوا من القانون الجنائي العام، بمعيار إن كل ما كان يباح في دينهم فلا يعتبر جريمة في حقهم، وإن كان يعتبر بموجب القانون الجنائي العام جريمة في حق المسلمين، وذلك مثل تصنيع الخمر وتسويقها وشربها، وفرضت جزية بمبلغ بسيط على الأشخاص اللائقين للخدمة العسكرية في نظير حماية المسلمين لهم وإعفائهم من الخدمة في الجيش الإسلامي ولكنهم إذا اشتركوا في الحرب الدفاعية مع المسلمين فيعفون من الجزية  كما يعفى منها غير المؤهلين للقتال  كالنساء والأطفال والعجزة والرهبان.
ظلت هذه السياسة تطبق أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وكان المسلمون يرون أن هذه السياسة لا توجبها تعاليم الإسلام فقط بل يقتضيها العدل والمنطق، كانوا يرونها أمراً طبيعياً فلا يرتفع ضجيجهم كما نسمع الآن من الآخرين  متمدحين بها، ناعين على غيرهم عدم الأخذ بها.
وقد استثنى المسلمون من تطبيق هذه السياسة، ومنذ البداية، رقعة صغيرة من العالم الإسلامي أطلق عليها في الأحاديث الشريفة اسم “جزيرة العرب”  وهو اصطلاح يختلف عن الاصطلاح الجغرافي الحديث، فهو يقتصر على ماحدده الفقهاء، كالإمام الشافعي: “بمكة ومخاليفها، أي توابعها الإدارية في القرون الأولى،  والمدينة ومخاليفها واليمامة ومخاليفها”، وتتضمن هذه الرقعة ماتشمله تقريباً حدود المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر.
فهذه الرقعة من أرض العالم الإسلامي اعتبرت “مركزاً للإسلام” فلم يسمح فيها بالمواطنة أو الإقامة الدائمة لغير مسلم ومن باب أولى لم يسمح بوجود معابد لغير المسلمين  أو مراكز للدعوة  للأديان الأخرى التي هي، في الحقيقة، مناقضة للإسلام .
فمنذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قام الصحابة بتنفيذ هذه الأحكام حسب ما فهموه من  تعبير جزيرة العرب في الأحاديث الشريفة فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم  أوصى عند موته بإخراج المشركين من جزيرة العرب، ويقصد بالمشركين هنا غير المسلمين، كما يدل عليه ما أخرجه مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: “أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً”، وإخراج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان آخر ماعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: لا يترك بجزيرة العرب دينان”، ولم يفهم الصحابة من اسم جزيرة العرب ما يشمل اليمن الذي قاعدته صنعاء فلم يخرجوا اليهود منه، وبقوا فيه حتى الوقت الحاضر.
قال الشافعي: “ولم أعلم أحداً أجلى أحداً من أهل الذمة من اليمن، وقد كانت بها ذمة”
وقد نفذ الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وصيته فلم يبقوا اليهود في خيبر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين أبرم عقد المعاملة معهم شرط أن يكون بقاؤهم خياراً للمسلمين، كما لم يبقوا أحداً من النصارى في نجران، وقد اختلف الفقهاء في التبرير الشرعي لذلك وأقرب أقوالهم في ذلك قول من قال: “إنهم كانوا نقضوا العهد”.
وعلى كل فقد وافق أمر القدر أمر الشرع، وعدم السماح بالوجود الدائم للأديان الأخرى في هذه المنطقة ثابت تاريخياً ويشهد للأحاديث فيها حكمت  به من عدم جواز الوجود الدائم لدين غير الإسلام في “مركز الإسلام”، أي الرقعة من الأرض التي تقدم أنها تشمل  تقريباً حدود المملكة العربية السعودية حالياً.
وكما أن السياسة العامة التي  وصفناها في تعايش المسلمين مع اتباع الديانات الأخرى من الخاضعين لسلطتهم، كان يقتضيها الشرع والعدل والمنطق،فكذلك كان استثناء مركز الإسلام ، في السياسة العامة في تعايش الإسلام مع الأديان الأخرى، بمنع الوجود الدائم للأديان المناقضة للإسلام، سواء تمثل هذا الوجود في الأفراد  أو أماكن العبادة أو مراكز الدعوة، أعني كان ذلك مقتضى الشرع والعدل والمنطق، إذ كيف يصح أن يستوطن مركز الإسلام  من يرى ويعلن أن الإسلام دين زائف، وأن القرآن من أساطير الأولين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم غير صادق ولا أمين.
بالإضافة إلى ماسبق فإن الحكم السياسي في مركز الإسلام، كما هو شرعاً  وواقعاً، مرجعه الأعلى النسخة الأصلية للإسلام (أي القرآن والسنة الصحيحة)  فهما الحاكمان     على نظامه الأساس للحكم (الدستور) وعلى كل الأنظمة والتصرفات الواقعة فيه، في حين -وهذا أمر طبيعي – إذ لا يوجد بلد يسمح بالمواطنة فيه لمن يسفه نظامه الأساس للحكم (الدستور) ويدعو للخروج عليه.
إن هذه الخصوصية للمكان أمر يجمع بين المواطنين فيه  ويوجد بينهم أقوى رابطة، وأمتنها، رابطة تستند إلى الشرع والمنطق والواقع التاريخي ولا أتصور وجود رابطة بين المواطنين في أي بلد آخر تشبه هذه الرابطة في قوتها ومتانتها ورسوخها.
 مع الأسف فعندما ضعف سلطان الخلافة العباسية انحل وجود الحكم المركزي لهذه المنطقة ورجع المواطنون فيها إلى حالة بئيسة من التشرذم، والتحارب، ونهب بعضهم بعضاً، أي أنهم رجعوا إلى حالة من فوضى الجاهلية افقدت مواطنيها الأمن من الخوف والاطعام من الجوع.
استمرت هذه الحال البئيسة عدة قرون حتى مَنّ الله على هذه الرقعة من الأرض بالوحدة تحت سلطان حكم مركزي واحد بوجود المملكة العربية السعودية.
والرابطة التي أشرنا إليها لاتستند في قوتها وإحكامها ورسوخها فقط إلى واقعها التاريخي، حيث وجدت منذ أربعة عشر قرناً، بل إلى خلودها وبقائها ما بقي القرآن وما بقي الإسلام.
كل ماسبق يعني بداهة وجوب أن يكون ولاء المواطن المسلم في هذه البقعة من الأرض بهذه الرابطة مقدما على كل ولاء قبلي أو إقليمي أو ولاء آخر مشابه، وأن الإخلال بالولاء لهذه الرابطة هو خيانة للدين والوطن.
والغرابة أن هذه الحقائق البسيطة والتي من المفروض أن لاتغيب عن إدراك الرجل العادي يغيب الوعي بها عن كثير من الناس، حتى من الخاصة المهتمين بالوطنية والوحدة الوطنية، وهذا ما أوجب لكاتب هذه السطور أن يتقدم لوزارة التربية والتعليم باقتراح أن يعنى فريق من المفكرين ذوي الاختصاص بالتربية بإيجاد الوسائل التي تضمن بقاء الوعي بهذه الحقائق البسيطة حاضراً في وعي الناشئة مسيطراً على عقولهم وقلوبهم، ولا أقصد بذلك فقط بناء وتصميم وتدريس مادة “التربية الوطنية”.              
أن من المفترض أن يعني كل مهتم بالإصلاح الوطني بالتوعية بهذه الحقائق حتى يصبح الوعي بها مسيطراً على وعي كل مواطن وقلبه، وأن تدورعليها الشعارات والأفكار والأقوال والأعمال، حتى نضمن أن لا يرجع الوطن إلى ما مر به مرة من حالة التشرذم وفوضى الجاهلية والجوع والخوف.

 

تنبيه

كتبت هذه الكلمة بهدف قراءتها مع قراءة الورقة المقدمة في لقاء حواري عقد في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لتقدم أفكار واقتراحات لتحديد مفهوم (الوطنية السعودية) وطبعها المركز في رسالة صغيرة تحت عنوان: “إقتراح لصياغة مفهوم للوطنية السعودية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق