الاثنين، 17 مارس 2014

الخصوصية الحضارية للمصطلحات


في الخصوصية الحضارية للمصطلحات
مصطلحات وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والمجال الاجتماعي
مقدمة:
في معرض بيانه للخصوصية الحضارية للمصطلحات يقول د. محمد عمارة: إذا نظرنا إلى أي مصطلح من المصطلحات باعتباره «وعاء» يوضع فيه «مضمون» من المضامين، وبحسبانه «أداة» تحمل «رسالة» المعنى، فسنجد صلاح وصلاحية الكثير من المصطلحات لأداء دور «الأوعية» «والأدوات» على امتداد الحضارات المختلفة.
أما إذا نظرنا إلى المصطلحات من زاوية «المضامين» التي توضع في أوعيتها، ومن حيث الرسائل الفكرية التي حملتها «الأدوات: المصطلحات»، فسنكون بحاجة ماسة وشديدة إلى ضبط عبارة: «لا مشاحة في الاصطلاح»؛ لأننا سوف نجد أنفسنا أمام «أوعية» عامة، وأدوات مشتركة بين الحضارات والأنساق الفكرية، وفي ذات الوقت أمام «مضامين» خاصة، ورسائل متميزة تختلف فيها، وتتميز بها هذه الأوعية العامة، والأدوات المشتركة لدى أهل كل حضارة من الحضارات المتميزة (1).
لذا تنبع أهمية المصطلحات عمومًا من أنها الوعاء الذي تطرح من خلاله الأفكار، فإذا ما اضطرب ضبط هذا الوعاء أو اختلت دلالاته التعبيرية، أو تميعت معطياته اختل البناء الفكري ذاته، واهتزت قيمه في الأذهان، أو خفيت حقائقه، فضبط الاصطلاحات والمفاهيم ليس من قبل الإجراء الشكلي، أو التناول المصطنع، بقدر ما هو عملية تمس صلب المضمون، وتتعدى أبعادها إلى نتائج منهجية وفكرية خطيرة، مما يحدونا للبحث عن علْمَي: «اجتماع المعاني»، و«التطور الدلالي للمصطلحات».
والمتأمل في تراثنا الفكري يلاحظ فعلاً مدى أهمية ضبط الكلمات والألفاظ، سيما ما ارتبط منها بموقف فكري أو حركي محدد، لدرجة الحرص التام على إلزام المسلمين بمصطلحات وألفاظ بعينها، والنهي عن الحيدة عنها، أو تسميتها بغير مسمياتها، حتى ولو كان التقارب بين اللفظين شديدًا ﴿لا تَقُولُوا رَاعِنَا وقُولُوا انظُرْنَا﴾ [البقرة: 104].
وتمر وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والمجال الاجتماعي بالعديد من المفاهيم والمصطلحات التي تُشَكِّل في ذاتها الوحدات الأساسية لما يطرح من حلول للمشكلات الاجتماعية لمختلف بلدان العالم، ولا يمكن فهم تلك الحلول المطروحة إلا عبر فهم تلك المفاهيم والمصطلحات،  وتحديدها تحديدًا إجرائيًّا دقيقًا، حتى يمكن تشغيلها والاستفادة منها، وإذا كانت تلك المشكلة- مشكلة «تحديد المفاهيم»- هي المشكلة الأولى؛ فإن المشكلة الثانية تتلخص في- أو تنشأ- عندما يتم نقل هذه المفاهيم من مجتمع إلى آخر يختلفان ثقافة ولغة، ونمط حياة، ومستوى حضارة، ذلك أن إعادة استنبات المفاهيم في بيئة حضارية مغايرة لا يؤتي نفس الثمار التي أتتها في بيئتها الأولى، وهو ما أطلق عليه المفكر الإيرانى الشهير علي شريعتي: «جغرافيا الكلام»، أي أن كلامًا معينًا قد يكون صحيحًا في بيئة ما، فإذا تم نقله إلى بيئة أخرى لم يكن بدرجة الصحة التي كان عليها في بيئته الأولى.
أن مصطلح «العالمية» متصل بتحديد الأنا والذات، وبالموقف من الآخر، وبالدوائر الحضارية، وبتفاعل الحضارات كما يقول د. أحمد صدقي الدجاني، حيث يُلاحَظ احتكار الغرب لصفة «العالمية»، بحيث أصبح المصطلح ينصرف إليه، فكل ما هو غربي عالمي في نظره، فكأن العالم مقتصر عليه

المشكلة الثالثة تنبع عندما يتم البدء من كون تلك المفاهيم القادمة من «بيئتها الأولى» معيارًا قياسيًّاStandard  يفهم به الظواهر الاجتماعية في البيئة الثانية، بل وتفسر، وأكثر من ذلك يُحكَم به على كل شيء، أي تصير تلك المفاهيم المنقولة أو العابرة للحضارات مفاهيم عالمية تُردّ إليها الأمور، ويصبح المتخلف هو المتخلف عن تلك المفاهيم، والمتقدم هو المتوافق معها، وبذلك تصير البيئة الثانية ليست هي، وإنما نسخة مقلدة، أو تحاول أن تقلد البيئة الأولى، ويكون الحكم على نجاحها أو إخفاقها بدرجة قربها من النموذج الأول.
المشكلة الرابعة: هي أنه في أثناء تلك العملية من جلب المفاهيم استيرادًا أو نقلاً، واعتبارها حكمًا ومعيارًا تنشأ مشكلة أهم من ذلك كله، وهي انزواء المفاهيم الأصيلة للبيئة الثانية، وبقدر ما تتم عملية الإحلال والتبديل هذه، يتم تجاهل مفاهيم البيئة الثانية ذاتها وتجاوزها.
المشكلة الخامسة: هي ذروة المأساة، وهي تكون عندما تفهم مفاهيم البيئة الأصلية في ضوء المفاهيم المنقولة استيرادًا أو تقليدًا؛ بحجة أنها مفاهيم عالمية عابرة للقارات والحضارات والثقافات والقيم، ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك أنه في بيئة الحضارة الغربية مثلاً، عندما يتكلمون عن علاقة الدين بالعلم وما بينهما من تناقض، فإنهم يقصدون بالدين: الدين المسيحي، وعندما يتم التقليد، وتناقش قضايا المجتمع على خلفية مفاهيم مجتمع آخر، نجد أن كثيرًا من المفكرين في العالم الإسلامي عندما يتكلمون عن علاقة الدين بالعلم، نجد أنهم لا يستبطنون الدين الإسلامي أو الإسلام الذي هو دين المنطقة وشعوبها، بل يستحضرون نفس الحجج التي قيلت عن تناقض الدين المسيحي في العالم الغربي مع مكتشفات العلم الحديث، وهذا ما يحدث في كثير من القضايا، وهنا يثور السؤال عن هذا المثقف والمفكر في العالم الإسلامي المنتمي تكوينًا ووجدانًا للعالم الغربي: عن أي نمط يعبر؟ هل عندما يتكلم يعبر عن ثقافة ذلك المجتمع الذي يعيش فيه، أم عن ذلك المجتمع الآخر الذى استبطنه، وتمثَّل قيمه ومفاهيمه وعاداته وطرق حياته؟
لا أقصد المثقف العضوي الذي تكلم عنه «جرامشي» في مذكراته، وإنما أقصد المثقف المنتمي عضويًّا لمجتمعه وبيئته الأصلية.
لذا تفرض ضرورة ضبط المفاهيم والاصطلاحات القيام بعمليتين في آن واحد، وهما:
أ- تحرير المفاهيم الأساسية التي شاعت بشأن قضايا المرأة والاجتماع والعلاقات الإنسانية مما علق بها من مضامين ومعانٍ تخالف حقيقتها؛ لأن الكلمات نفسها كأداة للتعبير، وإطار للمعاني تُحمّل بمدلولات نفسية تلقي بظلالها على ذهن وروح السامع والقارئ، ولأن «اللغة» ليست مجرد أداة رمزية، بل إنها جوهر التفاعل الحضاري.
من ثم، فإن من أهم ما يتصل بقضية تحرير المفاهيم هو عدم قبول المفاهيم الغربية الخاصة بالمرأة خاصة، والمجال الاجتماعي بصفة عامة؛ لأنها محملة بمسَلَّمات فكرية، وأسس فلسفية نابعة من البيئة الحضارية التي أفرزتها، ذلك أنه من المسَلَّم به أن كلمات اللغة التي تنطق بها الأمة هي أفكارها وقيمها، وهي ذات صلة عميقة بالعقيدة وتصور هذه الأمة للإنسان والكون والحياة.
وعلى هذا، فإن اصطلاحات الغرب ومفاهيمه لا يمكن فصلها عن ملابساتها الفكرية، وسياقاتها التاريخية، ولا يمكن التعامل مع المصطلحات والمفاهيم الخاصة بقضايا المرأة، أو المجال الاجتماعي كما نتعامل مع ألفاظ الاختراعات، وأسماء الأشياء.
ب- استبطان المفاهيم الإسلامية الخالصة، التي تمثل منظومة أو نسقًا مفهوميًّا مترابطًا يتداعى تلقائيًّا عند التعامل مع أحد مكوناته، حيث إن المفاهيم الإسلامية تنطلق من التوحيد كأساس وغاية، مما يجعل منها وحدة متراصة متكاملة تتصف بمجموعة من الخصائص تميزها عن غيرها من الأنساق، كما تعبر المفاهيم الإسلامية عن الحقيقة التي تتناولها في شمولها، واختلاف أبعادها ومستوياتها. كما تعطي تلك المفاهيم دلالات معينة عند كل مستوى للتحليل، أو عند كل بُعْد من أبعاد الظاهرة، ذلك أن الوعي بأهمية الكلمة ومسئوليتها وفق البيان القرآني إنما يشكل الأساس في  تحرير العقول.
وتهدف عملية استبطان المفاهيم الإسلامية أساسًا إلى عدة أمور، من أهمها:
أ- تحقيق الهوية والاختصاص والتمايز لمنظومة المفاهيم إسلامية الطابع والمصدر والوسائل والغايات، فالمصطلحات وإن كانت «حمّالة» لرسائل فكرية موجهة، فهى أيضًا «أدوات للتواصل والتعبير» عما نحمله من مفاهيم يتصورها الإنسان عن الخالق والكون والحياة.
ب- التعامل مع الإنسان المسلم بوحدات من المفاهيم قادرة على أن تمس حقيقة تكوينه، حيث تستطيع هذه المفاهيم أن تفجر الطاقة الكامنة، من خلال التعامل بمفاهيم الإيمان (الفرض- الحلال والحرام- رقابة الله)، بما يحقق أقصى درجات الفاعلية(2).
جـ- نقض دعوى عالمية المفاهيم الغربية بحسبانها مجمع تراث الإنسانية، ذلك أن مصطلح «العالمية» متصل بتحديد الأنا والذات، وبالموقف من الآخر، وبالدوائر الحضارية، وبتفاعل الحضارات كما يقول د. أحمد صدقي الدجاني، حيث يُلاحَظ احتكار الغرب لصفة «العالمية»، بحيث أصبح المصطلح ينصرف إليه، فكل ما هو غربي عالمي في نظره، فكأن العالم مقتصر عليه(3)
أهم مصطلحات وثائق مؤتمر الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والمجال الاجتماعي:
حفلت وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والقضايا الاجتماعية بالعديد من المصطلحات المتميزة، والتي لا يمكن فهمها إلا باستيعاب دلالات نصها في لغتها الأصلية- وهي اللغة الإنجليزية- ومن وجهة نظر قانونية غربية بحتة.
ولعل مصطلح الجندر Gender هو المصطلح المنظومة الذي يمثل «قطب الرَّحَى»، وتدور حوله معظم مصطلحات الأمم المتحدة شرحًا على متنه، أو تفسيرًا لغامضه، وإن زادته غموضًا، فهو مفهوم ومصطلح مراوغ وملتبس وموهم، وغير دالٍّ، وإن شئنا الدقة لقلنا: إنه مضلِّل، وقد ظهر- لأول مرة- في وثيقة مؤتمر القاهرة في (51) موضعًا، منها ما جاء في الفقرة التاسعة عشرة من المادة الرابعة من نص الإعلان الذي يدعو إلى تحطيم كل التفرقة الجندرية، وإلى هذا الحد لم يُثِر المصطلح أي نزاع بسبب ترجمته بما يفيد نوع الجنس (الذكر/ الأنثى)، ومن ثم لم يُنتبه إليه، ومراعاة لخطة التهيئة والتدرج في فرض المفهوم، ثم تمت إثارته مرة ثانية، ولكن بشكل أوضح في مؤتمر بكين للمرأة (عام 1995م)، إذ ظهر مصطلح (الجندر) 233 مرة في وثيقة المؤتمر، وكان لا بد لمعرفته، والوقوف على معناه من معرفة أصله في لغته التي صُكَّ فيها، والتعرف على ظروف نشأته، وتطوره الدلالي، كما سبق بيانه، وكان لجهود بعض المعارضين لأهداف المؤتمر من النصارى الغربيين دور كبير في كشف النقاب عن مخبآت هذا المصطلح.
تقول الموسوعة البريطانية في تعريف ما يسمى بالهوية الجندريةGender Identity : «إن الهوية الجندرية هي شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى، وفي الأعم الأغلب فإن الهوية الجندرية والخصائص العضوية تكون على اتفاق (أو تكون واحدة)، ولكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافق بين الصفات العضوية وهويته الجندرية (أي شعوره الشخصي بالذكورة أو الأنوثة)، ومثال ذلك الحالات التي يريد فيها الإنسان تغيير خصائصه العضوية، على الرغم من أن خصائصه العضوية الأصلية (الطبيعية) واضحة وغير مبهمة، ولكن الشخص المصاب يعتقد بأنه يجب أن يكون من أصحاب الجنس الآخر».
«لذلك فإن الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة، بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل».
مصطلح الجندر Gender  يمثل «قطب الرَّحَى»، وتدور حوله معظم مصطلحات الأمم المتحدة شرحًا على متنه، أو تفسيرًا لغامضه، وإن زادته غموضًا، فهو مفهوم ومصطلح مراوغ وملتبس وموهم، وغير دالٍّ، وإن شئنا الدقة لقلنا: إنه مضلِّل

«كما أنه من الممكن أن تتكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية، لتتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية، حيث يتم اكتساب أنماط من السلوك الجنسي في وقت لاحق من الحياة، إذ إن أنماط السلوك الجنسي وغير النمطية منها (بين الجنس الواحد) أيضًا تتطور لاحقًا».
أما تعريف منظمة الصحة العالمية، فهو أدهى من تعريف الموسوعة البريطانية للهوية الجندرية، إذ تعرف المنظمة مصطلح «الجندر» بأنه: «المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية».
أما في بكين، فقد أسفر بحث الوفود في المعنى الحقيقي للمصطلح إلى صراع استمر أيامًا، وأدى إلى إنشاء لجنة خاصة لتقوم بتعريفه، وبيت القصيد هنا أن الدول الغربية رفضت تعريف الجندر بالذكر والأنثى، ولم تنجح اللجنة في تعريف الجندر، بل خرجت متفقة على عدم تعريفه، وهذا ما يثبت سوء النية، وبعد المرمى، والإصرار الكامل على فرض مفهوم حرية الحياة غير النمطية كسلوك اجتماعي، فلو أن الجندر لا يتضمن الحياة غير النمطية كسلوك اجتماعي، فلم الاعتراض على تعريفه بالذكر والأنثى فقط؟!.
ومن ثم استمر الصراع أيامًا في البحث عن المعنى الحقيقي للمصطلح، مما أدى إلى إنشاء لجنة خاصة تقوم بتعريفه، ومع ذلك باءت بالفشل أيضًا، إذ أصرت الدول الغربية على وضع تعريف يشمل الحياة غير النمطية كسلوك اجتماعي، ورفضت الدول الأخرى أية محاولة من هذا النوع، فكانت النتيجة أن عرفت اللجنة المصطلح بعدم تعريفه:The non definition of the term Gender ، ويظهر ذلك ويتجلى في تقرير لجنة التنمية الاجتماعية في العالم عام 1997م، حيث ذكرت- بشكل صريح- أن«الجندر» مفهوم اجتماعي غير مرتبط بالاختلافات الحيوية (البيولوجية)، وهو الأمر الذي عجزت الوفود المشاركة في مؤتمر بكين عن تعريفه.
وتكشف وثائق مؤتمر روما لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية المنعقدة في روما (14/6 - 18/6 عام 1998م)، عن محاولة لتجريم القوانين التي تعاقب على الشذوذ الجنسي؛ إذ أوردت الدول الغربية أن كل تفرقة أو عقاب على أساس «الجندر» يشكل جريمة ضد الإنسانية، وكان إدخال كلمة Gender في تعريف الجرائم بالإنجليزية أمرًا غريبًا في حد ذاته، إذ إن النَّصَّيْن العربي والفرنسي استعملا كلمة (الجنس)، ولم يستعملا كلمة «الجندر»، إذ ليس له تعريف واضح، أو مدلول محدد، وهذا الأمر دفع الوفود العربية والإسلامية- بقيادة المملكة العربية السعودية وقطر وسورية- إلى استبدال كلمة الجنس بدلاً من كلمة الجندر، واستمر الخلاف أيامًا كالعادة، وفيه قال أحد المفاوضين العرب: «إن كنتم تقصدون أن هذه ترادف هذه، فلماذا الإصرار؟! وإن كانت تختلف في المعنى فأفهمونا الخلاف، باعتبارها لغتكم، لنستطيع أن نرى انسجامها مع القانون أو لا، وهذا الخلاف الشديد دعاهم لأن يعترفوا بأنها تعني «عدم الحياة النمطية للنوع الواحد»، بمعنى أنه إذا مارس أحدهم الشذوذ الجنسي، فعوقب بناءً على القانون الداخلي للدولة، كان القاضي مجرمًا بحق الإنسانية.
وعلى الرغم من المعارضة الشديدة من الدول العربية والإسلامية لم تنجح تلك الدول في حذف كلمة «الجندر» من النص الإنجليزي، ولكن توصلوا إلى حل وسط، حيث عرف «الجندر» بأنه يعني الذكر والأنثى في نطاق المجتمع، وهو الأمر الذي رفضه وفد المملكة العربية السعودية؛ لأن هذه الإضافة- في نطاق المجتمع- إنما يراد بها أن الفروق بين الذكر والأنثى ليست عضوية، وإنما هي اجتماعية، وهذا- بعينه - هو مصطلح «الجندر»، والأخطر من ذلك هو نجاح الدول الغربية في تعريف كلمة (الجنس)، التي كانت تعني الذكر والأنثى، إلى تعريف يقربه من مفهوم «الجندر»، إذ عرفته- أي الجنس- بمعنى الذكر والأنثى في نطاق المجتمع.
وإتمامًا لهذه المسيرة الطويلة لفرض هذا المفهوم، دعا إعلان مؤتمر لاهاي للشباب عام 1999 إلى إنشاء جهاز خاص في كل مدرسة؛ «لتحطيم الصورة التقليدية والسلبية للهوية الجندرية، للعمل على تعليم الطلبة حقوقهم الجنسية والإنجابية؛ بهدف خلق هوية إيجابية للفتيات / النساء، وللفتيان/ الرجال».
كما يدعو الإعلان- بجرأة مطلقة- الحكومات إلى إعادة النظر، وتقديم قوانين جديدة تتناسب مع حقوق المراهقين والشباب؛ للاستمتاع «بالصحة الجنسية» والصحة الإنجابية بدون التفرقة على أساس «الجندر»(4)
مصطلح التمكين: من المصطلحات ذائعة الصيت في جميع وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة، وبقدر ذيوعه بقدر غموضه، ففي جدول الأعمال المؤقت للجنة مركز المرأة، الدورة الرابعة والأربعون «متابعة المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة: استعراض إدماج قضايا المرأة في الأنشطة الرئيسية لمؤسسات منظومة الأمم المتحدة- جاء: تركز عمل منظومة الأمم المتحدة في مجال المرأة والفقر على أهمية تمكين المرأة»، ولكل مجال من المجالات هناك ثابت أساسي، وهو عنصر التمكين (الاقتصادي- السياسي- الاجتماعي) للمرأة.
وفي كتاب تمكين المرأة (5)Women Empowerment  لم يكن هناك تعريف محدد لمصطلح التمكين، وإن جاء فيه: في إحدى «ورش العمل» Work shop للمرأة في الباسيفيك بعنوان: «المرأة والتنمية والتمكين»، قالت فانيسا جريفين  Vanessa Griffenعما يعنيه التمكين بالنسبة لها:
«إنه ببساطة يعني مزيدًا من قوة المرأة، والقوة تعني لها: مستوى عاليًا من التحكم، ومزيدًا من التحكم؛ وإمكانية التعبير والسماع لها، والقدرة على التعريف والابتكار من منظور المرأة، والقدرة على الاختيارات الاجتماعية المؤثرة، والتأثير في كل القرارات المجتمعية، وليس فقط في المناطق الاجتماعية المقبولة كمكان للمرأة، واعترافًا واحترامًا كمواطن متساوٍ، وكيان إنساني مع الآخرين، والقوة تعني مقدرة على المساهمة والمشاركة في كل المستويات الاجتماعية، وليست في مجرد المنـزل، والقوة تعني أيضًا مشاركة المرأة مشاركة معترفًا بها، وذات قيمة».
 ربما كانت هذه ترجمة حرفية لما قيل، لكن لعل تلك الإطالة مما يزيد المفهوم غموضًا، فالمصطلح الذي يفسر كل شيء لا يفسر أي شيء على الإطلاق، ويظل مصطلحًا غامضًا يفسر حسب مقتضيات الموقف.
وجاء في إعلان مؤتمر بكين في الفقرة (12): تمكين المرأة والنهوض بها، بما في ذلك الحق في حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد.
وتخدم هذه الفقرة سبل تحقيق الرؤية الغربية لمفهوم تحرير المرأة من كل القيود، بما في ذلك الروحية والأخلاقية والفكرية، وأن تمارس تلك الحرية وحدها، أو بالاشتراك مع غيرها، تمهيدًا لسيادة أنماط السلوك الغربي.
ومن أخطر المصطلحات التي وردت في وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة هما مصطلحا:«الصحة الإنجابية» Reproductive Health، و«الصحة الجنسية» Sexual Health، واعتبارهما حقوقًا إنسانية عامة غير مقصورة على المتزوجين زواجًا شرعيًّا، إذ اعتبرتهما كالغذاء حاجات طبيعية، وحقوقًا لكل الأفراد من كل الأعمار دون ضوابط من أي شرع، أو أي دين.
وهذه المصطلحات تعني في وثيقة «برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية»،الذي انعقد بالقاهرة من 5-13 سبتمبر سنة 1994:
المتعة الجنسية المأمونة، والقائمة على التراضي؛ باعتبارها حقًّا للجميع كالغذاء، وليست حقًّا خاصًّا بالأزواج زواجًا شرعيًّا دون سواهم، وأنها- في رؤية الوثيقة- حق للإنسان يقتضيه الجسد، ولا تضبطه حقوق الله- الذي لم يرد ذكر اسمه ولو مرة واحدة في مشروع البرنامج- ولا يحدد نطاقها دين- أي دين- والذي لا وجود لإشارة إليه في كل فصول وفقرات المشروع- الذى جاء في حجم كتاب غير صغير(6)
أما مصطلح الصحة الإنجابية أو التناسلية، فهو وإن كان يحمل معنى إيجابيًّا بتحسين الصحة الإنجابية للرجل والمرأة، من خلال إقامة علاقات سوية باتباع تعليمات وإرشادات صحية، إلا أن سياق استعماله وإدخاله ضمن برامج تنظيم الأسرة مع مصطلح (تنظيم الخصوبة)، والذى يعني تحديد نسبة التوالد في بلد معين، يجعل المصطلح يدور حول معنى محدد، وهو توفير المزيد من وسائل خدمات الرعاية التناسلية والجنسية، ومنها موانع الحمل، بأن تكون في متناول الجميع دون اشتراط.
ومن أكثر المصطلحات إثارة للجدل داخل مؤتمر القاهرة للسكان، هو مصطلح«المتحدين والمتعايشين»؛ إذ ذكر الإعلان حقوق «المتحدين والمتعايشين» Unions and Couples  بعيدًا عن ذكر الأسرة بوصفها الأساس الطبيعي والوحيد لأي مجتمع بشري، وهو الأمر الذي تكرر في بكين وإسطنبول ولاهاي، بما يعني السعي الدءوب لتقنين الشذوذ، الذي بات معترفًا به من جانب بعض الكنائس والدول الغربية، وهذا ليس بمستغرب، إذ التقت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة «ماري روبنسون»- رئيسة جمهورية أيرلندا سابقًا- في نهاية عام 1998 بالحلف الدولي للشواذ، وتعهدت خلاله بإعطاء كل تأييدها ودعمها لجهود هذا الحلف، وأعلنت عزمها على تعيين مراقب خاص لمتابعة حقوق الشواذ(7)
ومنها بالطبع حق زواج الجنس الواحد، ومكافحة القوانين المضادة للشذوذ الجنسي، على أن كل تفرقة على أساس السلوك الجنسي غير قانونية من وجهة نظرها.
ولعل ذلك يحيلنا على مفهوم / مصطلح «الأسرة»، فبينما تروج وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة لتعدد أنماط الأسرة، حاولت كثير من بلدان العالم، والدول العربية والإسلامية والفاتيكان، وبعض دول أمريكا اللاتينية والصين التأكيد على أن الزواج هو العقد المبرم بين الرجل والمرأة، والذي يكوّن الأسرة كجهاز اجتماعي مسئول عن إنجاب وتربية الأطفال، وتجدد الصراع مرة أخرى في مؤتمر بكين عندما أكدت وثيقته أن للأسرة أنواعًا وأنماطًا تختلف حسب المجتمع، وحاولت الدول المعارضة لهذا التعريف- عبثًا- إضافة وصف (التقليدية) في وصف الأسرة وأنماطها، ولم تصمد أمام موقف الدول الغربية الرافضة لإدخال كلمة (التقليدية) كوصف للأسرة وأنماطها.
لقد قدمت وثائق الأمم المتحدة مفهومًا للأسرة غير الذي تعارفت عليه الأديان جميعها- وهو مفهوم الأسرة القائمة على الزواج الشرعي بين ذكر وأنثى- فهي (أي وثائق الأمم المتحدة) تتحدث عن «اقتران» لا يقوم على الزواج- وهو ما يشيع في العلاقات المحرمة دينيًّا بين العشيق والعشيقة، أو بين رجلين أو امرأتين- عند الشواذ

لقد قدمت وثائق الأمم المتحدة مفهومًا للأسرة غير الذي تعارفت عليه الأديان جميعها- وهو مفهوم الأسرة القائمة على الزواج الشرعي بين ذكر وأنثى- فهي (أي وثائق الأمم المتحدة) تتحدث عن «اقتران» لا يقوم على الزواج- وهو ما يشيع في العلاقات المحرمة دينيًّا بين العشيق والعشيقة، أو بين رجلين أو امرأتين- عند الشواذ(8)
ونجد وثيقة برنامج عمل مؤتمر القاهرة للسكان لا تقف عند إباحة هذه الأشكال من «الأسرة»، وإنما ترتب لها «حقوقًا»، وتدعو إلى إزالة كل عقبات وألوان التمييز بين هذه العلاقات والاقترانات الشاذة والمحرمة، وبين الأسرة القائمة على الزواج، فتقول: «وينبغي القضاء على أشكال التمييز في السياسات المتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى»، واستخدمت الوثيقة لذلك مصطلحًا هو:The Family-in-all-its Forms ، وجعل المؤتمر من أهدافه وضع سياسات وقوانين تقدم دعمًا أفضل للأسرة، وتسهم في استقرارها، وتأخذ في الاعتبار تعددية أشكالها.
ثم جاء بعد ذلك في الوثيقة ما يفسر هذه التعددية بمثل: زواج الجنس الواحد، والمعاشرة بدون زواج، والكل في الحقوق متساوٍ(9)
وهكذا نجد أنفسنا أمام مفاهيم عن العلاقات والممارسات الجنسية، ومفاهيم عن الأسرة والاقتران تجعل الجنس القائم على التراضي، والمأمون من أن يؤدي إلى الأمراض الفتاكة حقًّا لكل جسد، مثله كمثل الغذاء، لا تضبطه ضوابط الزواج الشرعي بين الذكر والأنثى، وإنما هو مباح بين الذكور والإناث دون زواج، وفي كل الأعمار، وبين المراهقين والمراهقات، وأيضًا بين الأمثال من الشاذين والشاذات.
وفي مؤتمر إسطنبول للمستوطنات البشرية عام 1996 تفجر الصراع مرة أخرى حول تعريف الأسرة، بشكل يثبت إصرار الجهات المنظمة والداعمة لهذه المؤتمرات على نشر الإباحية الجنسية، من خلال تفتيت الأسرة، وتحريف مفهومها، إذ استمر الصراع أيامًا عديدة حول (هل الأسرة خلية اجتماعية يجب تدعيمها؟)، أو هي (الخلية الاجتماعية الأساسية التي يجب تدعيمها؟)، أي حول إضافة (ال) التعريف مع إضافة كلمة (الأساسية)، وكالعادة وقفت الدول الغربية ضد هذه الإضافة تمامًا، وكذلك لم ينته الصراع حول مفهوم الأسرة عند حد الصراع اللغوي، بل امتد مرة أخرى إلى إثارة (هل للأسرة أنماط مختلفة؟)، لينتهي الأمر أمام إصرار كندا ودول الاتحاد الأوربي إلى وجود أنماط من الأسرة.
وفي هذه النوعية من المؤتمرات «الدولية» للمرأة تظهر محاولة الاستغناء عن الأسرة في المصطلحات المستخدمة في الإشارة إلى الطفل الذي ولد خارج نطاق الزواج والأسرة، فهو لم يعد طفلاً غير شرعيIllegitimate  كما كان في الماضي، فقد أصبح طفلاً مولودًا خارج الزواج Out of wedlock ، ثم يتطور الأمر ليصبح طفلاً طبيعيًّاNatural baby ، وأخيرًا يصبح طفل الحب والجنس Love Baby، والبقية تأتي(10)
ومصطلح حرية الحياة غير النمطيةSexual Orientation Freedom ، الذي ظهر لأول مرة في مؤتمر بكين، إذ دعا إعلان المؤتمر في نص المادة رقم (226) من الوثيقة، إلى حرية الحياة غير النمطية كحق من حقوق الإنسان، مما استدعى طلبَ الكثير من الدول المُشاركة لتعريفه أو حذفه، في حين أكدت- كالعادة- الدول الغربية وعلى رأسها الدول الإسكندنافية وكندا وأمريكا ودول الاتحاد الأوربي، أن العبارة لا تضيف حقًّا جديدًا من حقوق الإنسان وحرياته، وعلى الرغم من حذف هذه العبارة من نص الإعلان، إلا أن المحاولة تكررت في مؤتمر الشباب في «براغ» بالبرتغال عام 1998م، حيث حاولت المنظمات التحررية (الليبرالية) والشاذة إدخال المصطلح مرة أخرى، ولكنها لم تنجح نظرًا للمعارضة الشديدة التي لقيتها، ومع ذلك نجحت تلك المنظمات في نحت وإضافة مصطلح جديد يؤدي إلى نفس المعنى، ولكن بشكل آخر (مرض الخوف من الحياة غير النمطية)، أي من الشذوذ الجنسي، ودعا في نص إعلان الشباب في «براغ» إلى «مكافحة التفرقة العنصرية والعرقية، ومرض الخوف من الشذوذ الجنسي»!.
وفي مؤتمر لاهاي للشباب والمنظمات غير الحكومية (عام 1999) عاد مصطلح «حرية الحياة غير النمطية» من جديد ليفرض نفسه بكل قوة على نص الإعلان، وهو أنه يجب أن يكون التعليم الجنسي الشامل إلزاميًّا على جميع المراحل، ويجب أن تُعطَى المتعة الجنسية والثقة، والحرية عن التعبير الجنسي، والسلوك الجنسي غير النمطي، كما يدعو الإعلان حكومات العالم إلى «عدم التفرقة بين الشباب على أساس من العرق أو الدين أو الحضارة أو الجنس أو التوجه الجنسي- الحياة غير النمطية- أو السلوك والنشاط الجنسي»، الأمر الذي مثَّل انتصارًا جديدًا لجماعات الشواذ.
لاحظ أن المفهوم تم الإيحاء به في مؤتمر السكان بالقاهرة (عام 1994)، ثم بدأ التدرج في فرض المفهوم، ومن ثم المصطلح في مؤتمر براغ عام 1998، ولاهاي عام 1999.
ولعل مشكلة الشاذ الأسترالي نيكولاس تونون توضح دور بعض المنظمات الدولية في فرض هذا المصطلح، إذ رفع تونون دعوى قضائية أمام لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ضد قانون ولايته (تسمانيا بأستراليا)، والخاص بمكافحة الشذوذ الجنسي، على اعتبار أن هذا القانون يمثل بالنسبة له خرقًا لحقوقه، وتدخلاً في حياته الخاصة، وأن ذلك يتنافى مع التزامات أستراليا، طبقًا لمعاهدة حقوق الإنسان المدنية والسياسية.
 وعلى الرغم من أن هذه اللجنة منوط بها مراقبة تطبيق الدول الموقعة على الاتفاقية لالتزاماتها الدولية، وفق بروتوكول خاص ملحق بمعاهدة حقوق الإنسان المدنية والسياسية لعام 1966، ولا تشير الاتفاقية في أي بند من بنودها إلى الحقوق الجنسية، أو حرية الحياة غير النمطية، وإنما تشجع الاتفاقية احترام وصيانة حق الزواج، وحرمة الحياة العائلية- إلا أنها استطاعت أن توسع نص الاتفاقية ليشمل حرية الحياة الجنسية غير النمطية، وعدم جواز تدخل الدول في الحياة الخاصة للأفراد تحت باب المصلحة العامة، أو حماية الأخلاق، أو منع انتشار الأمراض!.
 وعلى ذلك فقد ألزمت اللجنة أستراليا- كطرف ملتزم ببنود الاتفاقية- باحترام هذه الحقوق، وإلزام ولاية (تسمانيا) بتعديل قانونها الجنائي بما يتفق والتزامها الدولي تجاه الاتفاقية، وذلك خلال 90 يومًا من تاريخه!(11)
ومن المصطلحات المهمة التي يكثر حولها الجدل مصطلح «عمل المرأة»، ذلك أن أسوأ ما في تناول النموذج الغربي لقضايا المرأة هو تناولها بحسبان المرأة كيانًا وحيدًا ومنفصلاً، وفردًا مستقلاً ليس منتميًا لا إلى أسرة، ولا إلى مجتمع، ولا إلى دولة، وليس له أية مرجعية، وفي هذا الإطار تم إعادة تعريف مفهوم العمل الإنساني Labour، باعتباره هو العمل الذي يقوم به المرء نظير أجر نقدي محسوب (كم محدد) خاضع لقوانين العرض والطلب، على أن يؤديه في رقعة الحياة العامة، أو يصب فيها في نهاية الأمر، وهذا التعريف يستبعد- بطبيعة الحال- الأمومة وتنشئة الأطفال، وغيرها من الأعمال المنـزلية، فمثل هذه الأعمال لا يمكن حسابها بدقة، ولا يمكن أن تنال عليها الأنثى أجرًا نقديًّا، بالرغم من أنها تستوعب جل حياتها واهتمامها إن أرادت أن تؤديها بأمانة، ولا يمكن لأحد مراقبتها أثناء أدائها، فهي تؤديها في رقعة الحياة الخاصة.
باختصار شديد عمل المرأة في المنـزل هو عمل لا يمكن حساب ثمنه، مع أن قيمته مرتفعة للغاية، ولذا فهو ليس «عملاً»، حتى إنه أصبح من الشائع الآن أن تجيب ربة البيت عن سؤال بخصوص نوعية عملها بقولها: «لا أفعل شيئًا؛ فأنا أمكث في المنـزل»، بمعنى أن وظيفتها كأم (برغم أهميتها)، وعملها كأم (برغم المشقة التي تجدها في أدائه) هي «لا شيء»؛ فهو عمل لا تتقاضى عنه أجرًا، ولا يتم في رقعة الحياة العامة، وهنا تأتي المؤتمرات «الدولية»- التي لا تنتهي- عن المرأة، وعن تحديد النسل، وحركة «تحرير» المرأة التي تهدف إلى تفكيك الأسرة، وإلى «تحرير» المرأة من أدوارها التقليدية، مثل «الأمومة»، وهي أدوار ترى حركة التمركز حول الأنثى أن المرأة سجينة فيها(12)
بل إن وثيقة مؤتمر المرأة العالمي السابع (مؤتمر المرأة في بكين)، كان دائمًا يعبر فيها عن عمل المرأة في بيتها كزوجة وأم بأنه العمل غير المربح  Unremunerated Work.
كما ورد باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «السيداو» العديد من المصطلحات التي تحمل من الدلالات ما يستحق الوقوف عنده، وكشف غامضه، أو إن شئنا الدقة فكّ شفرته.
يمثل مصطلح «التمييز» قطب الرَّحى الذي تدور عليه الاتفاقية، ذلك أن التمييز صُكَّ كمصطلح قانوني له تداعياته وآثاره الاجتماعية، وإن كانت لفظة التمييز  Discrimination في لغتها الأصلية تعبر عن واقع الظلم والإجحاف أكثر مما تعبر عن واقع مجرد التفرقة، فليست كل تفرقة بين مختلفين ظلمًا، فالمساواة لا تتحقق إلا عندما تكون بين المتماثلين في السمات والخصائص والوظائف والمراكز القانونية (المركز القانوني هو مجموع الحقوق والالتزامات).
أما مصطلح «الأدوار النمطية» Stereotyped Roles  أو الأدوار الجامدة، فليس سوى هجوم على مفهوم «الأسرة الفطرية»، الذي أجمع عليه أهل الأديان والمجتمعات منذ بدء الخليقة، التي تمثل أغلب شعوب العالم، باعتبارها تتكون من رجل وامرأة يربطهما عقد زواج شرعي، وتتوزع بينهما وظائف الحياة سعيًا نحو التكامل، فالأدوار النمطية أو الجامدة تعني أن هناك أنماطًا خاصة بالنساء باعتبارهن نساء، أو أنماطًا خاصة بالرجال باعتبارهم رجالاً، ومن ثم تدعو الاتفاقية إلى القضاء على تلك الأدوار النمطية أو الجامدة، وإلى اعتقاد أن هناك إمكانية واسعة لتبادل الأدوار باعتبارها محايدة.
والنمط الجامد هو وصف يطلق على دور المرأة في المجال الأسري، وذلك بهدف القضاء على دور الأم المتفرغة لرعاية أسرتها، وأن الأمومة وظيفة اجتماعية، فهي ليست وظيفة لصيقة بالمرأة «مرتبط بتركيبها البيولوجي»، بل هي «وظيفة اجتماعية» يمكن أن يقوم بها أي إنسان آخر؛ لذا نادى تفسير الأمم المتحدة لاتفاقية السيداو بضرورة وضع نظام إجازة آباء لرعاية الأطفال، بالإضافة لدُور الحضانة، حتى تتفرغ الأم لمهمتها الأساسية، وهي العمل بأجر خارج البيت (في رقعة الحياة العامة).
مصطلح «الاستحقاقات الأسرية» Family benefits مصطلح استخدمته الاتفاقية لتشير به إلى المساواة الكاملة في الميراث بين الأخ والأخت، وهو مصطلح ملتبس كما يقول د. محمد عمارة، وقد صيغ على هذا النحو لتجنب رد الفعل الإسلامي عند الحديث عن المساواة في الميراث.
ومن المصطلحات والتعبيرات التي وردت باتفاقية السيداو،  وينبغي الوقوف عندها: تعبير «حقوق المرأة كوالدة بغض النظر عن حالتها الزوجية» Woman rights as a parent irrespective of her marital status، فهذا التعبير يفصل بين حق الأم كوالدة ووضعها كزوجة، ولا يبين عن أي وضع (شرعي أو غير شرعي) نتج مسمى المرأة كوالدة، ويثار هذا الأمر بأكثر من شكل في بعض وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والمجال الاجتماعي، مثل: «الأم أم مهما كان الطريق الذي حملت منه».
لهذا نجد أن وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان فصلت بين الزواج والجنس والإنجاب، واعتبرتها موضوعات متباينة لا علاقة لبعضها بالآخر، ولا ارتباط بينها قائم.
(1)  د. محمد عمارة، معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، القاهرة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1996، ص 4.
(2)  انظر في أهمية تحرير المفاهيم وضبطها: هبة رءوف عزت، المرأة والعمل السياسي.. رؤية إسلامية، واشنطن (فيرجينيا): المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة الرسائل الجامعية (18)، 1995، ص 44.
(3)  د. أحمد صدقي الدجاني، التحيز في المصطلح، ندوة «إشكالية التحيز.. رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد»، (19-21 من فبراير 1992)، القاهرة، نقابة المهندسين والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ص1.
(4)  حمدي عبيد، قراءة في مصطلحات مشبوهة، المنار الجديد، العدد (11)، ربيع 2000، ص 68.
(5) Marilee Karl, Women and Empowerment, Participation and Decision Making, London: Zed Books LTD, 1995, P. 14. .
(6) د. محمد عمارة، صراع القيم بين الغرب والإسلام، القاهرة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، في التنوير الإسلامي (19)، 1997، ص 17.
(7)  حمدي عبيد، مرجع سابق، ص 62.
(8)  د. محمد عمارة، صراع القيم بين الغرب والإسلام، مرجع سابق، ص 22.
(9) د. الحسيني سليمان جاد، وثيقة مؤتمر السكان والتنمية.. رؤية شرعية، كتاب الأمة، العدد 53، جمادى الأولى 1417هـ، ص 59.
(10)  عمرو عبد الكريم، في قضايا العولمة، إشكالات قرن قادم، القاهرة، سما للنشر، 1999، ص 53، وانظر أيضًا د. عبد الوهاب المسيري، العلمانية الشاملة.. رؤية جديدة، تحت الطبع، ص 176.
(11)  حمدي عبيد، مرجع سابق، ص 65.
(12)  د. عبد الوهاب المسيري، الأنثوية، ما بين حركة تحرير المرأة وحركة التمركز حول الأنثى.. رؤية معرفية، القاهرة، سبتمبر- أكتوبر 1997، ص 58.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق