الثلاثاء، 18 مارس 2014

أنت ليبرالي إذا ً أنت علماني !

أنت ليبرالي إذا ً أنت علماني !
26-06-1434 12:02

محمد بن عيسى الكنعان:


حظيت (الليبرالية) خلال السنوات العشرة الأخيرة باهتمام الوسط الثقافي السعودي ، فكانت محور أحاديثه الصحافية ومادة نقاشاته الفكرية حتى انعكس ذلك على الفرد العادي ، الذي راح يستذكر أيام حوارات (الحداثة) ومعارك (العلمانية) بين التيارات الفكرية في المجتمع السعودي خلال الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي ، غير أن الفكرة الليبرالية وفدت في ظروف أفضل جعلها لا تصطدم بالممانعة الاجتماعية بشكل مباشر لأنها بقيت على طاولة النقاشات الإعلامية ، رغم أنها دخلت مع (السلفية) ولازالت في ثنائية جدلية على خريطة المعارك الفكرية كما حدث في ثنائية (الحداثة والصحوة) ، إلا أن هناك عوامل ساعدت الليبراليين على أن يجعلوا (الفكرة الليبرالية) في إطار العرض والدراسة والنقاش فلا تسحقها يد الرفض الاجتماعي أو تبعدها رياح الإقصاء الفكري ، بمعنى أن تأخذ فرصتها في تبيان حقيقتها أو على الأقل أن تقدم مفهومها وفق ما يريده أدعياؤها . أهم هذه العوامل هي قضية (الإرهاب) ، الذي انطلق من 
ثقافة دينية تحت أهداف سياسية ، ما جعل التيار الديني ينشغل في تبرئة موقفه (الوطني) وتجلية مبادئه (الإسلامية) الصحيحة المغايرة عن هذا الفكر الضال ، الذي يُسيء لعظمة الدين ويهدد وحدة الوطن ويدمر مباهج الحياة ، فكان المجال متاحاً للفكرة الليبرالية أن تتحرك بانسيابية بين فئات الناس وتكشف عن قيمها الإنسانية ونظرتها الإيجابية للحياة ، خاصة ً أنها تتمحور حول (تحقيق الحرية) وتعزيز (استقلال الفرد) بعيداً عن الوصاية مهما كانت دوافعها وتبريراتها ، فضلا ً عن إطلاق (ملكات العقل) ليسأل ويبحث عن إجاباته ، من خلال العلم الطبيعي والمعرفة الإنسانية والتجربة العالمية. أما ثاني تلك العوامل فكانت (ثورة المعلومات) التي تدفقت على الإنسان السعودي المتعطش للمعرفة عبر وسائط التقنية الحديثة ، سواء ً إعلامية كالقنوات الفضائية أو إلكترونية كمواقع (الإنترنت) من منتديات ومدونات ، أو لاحقاً مواقع التواصل الاجتماعي ، فلم يعد هذا الإنسان يتلقى المعلومات ويتعرف على الثقافات من مصدر ٍواحد أو (مفلتر) ، إنما صار بإمكانه أن يطوف العالم وينبش في أقبية المعرفة وهو مضطجع على سرير غرفته بإحدى القرى النائية التي تعمل بالمولدات الكهربائية البسيطة .
مع ذلك لم تصل (الفكرة الليبرالية) واضحةً كاملة ، فلقد تم تزييف حقيقتها حتى شاع اعتقاد مغلوط أنها لا تتعارض مع جوهر الدين ولا تهدد وحدة النظام السياسي ، ويمكن لها أن ُتسهم في نهضة الوطن وصولاً إلى حضارة الأمة عندما يسود النموذج الليبرالي على مجمل مناحي الحياة ، فلقد تم تصوير الليبرالية على أنها (قيم إنسانية) عليا ,متى ما آمنت بها وتعاملت مع الناس من خلالها فأنت (مسلم ليبرالي) تريد الحرية وتنشد العدالة وتقبل الآخر وتنشر التسامح ، وفات على أصحاب هذا التصور المزيف أو النظرة السطحية أن (الليبرالية) منظومة متكاملة لا تتجزأ ، فإما أن تأخذها كلها أو تدعها كلها ، لأنها تبدأ بـ(أساس فلسفي) يتمثل في تحقيق الحرية الفردية ، وترتفع بـ(سقف حضاري) يعتبر العقل مرجعية عليا ، مروراً ببناء فكري يقوم على ثلاثة ركائز : (الفكرة العلمانية ، والنظرية الرأسمالية ، واللعبة الديمقراطية) ، فالفكرة العلمانية تحسم الواقع الاجتماعي لليبرالية ، بتحديد الموقف من الدين على اعتبار أنه محصور في دور العبادة فقط وليس له علاقة بحركة الحياة العامة وتفاصيلها اليومية ، أو العلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة في كل تنوعاتها الإنسانية وتعدد تقاطعاتها التنموية ، والنظرية الرأسمالية تحسم الواقع الاقتصادي لليبرالية ، بتبني كل مبادئ الرأسمالية في الاقتصاد وفلسفة المال ، واللعبة الديمقراطية تحسم الواقع السياسي لليبرالية ، بقبول كل شروط هذه اللعبة بوجود برلمان منتخب ، وتعددية حزبية ، وفصل تام للسلطات ، وانتخابات حرة وغير ذلك .

هذه الركائز رابطها (الحرية الفردية) وإطارها المنظم (القانون الوضعي) المحكوم بمرجعية (العقل البشري) ، وعليه فكل من يقول إنه (ليبرالي) ، فهو تلقائياً (علماني رأسمالي ديمقراطي) ، يؤمن بتحرر الإنسان من السلطات الثلاثة (الوصاية الدينية) ، و(الثقافة الاجتماعية) ، و(الدكتاتورية السياسية) على أن تكون حريته حرية مسئولة تحت القانون (الوضعي) . لذا يجب أن يعي مثقفونا الذين انخدعوا بـ(بريق الليبرالية) وسحر بيانها عن الحرية ، أن (الليبرالية) أشمل وأخطر من (العلمانية) على الدين والوطن والأمة وفق التصور الإسلامي الصحيح ، لأن الليبرالية في صورتها النهائية تضع الإنسان مكان الرب ، والعقل مكان الوحي ، والعلم مكان الغيب ، بينما العلمانية تتمثل في موقف مُحدد من الدين ، فقد تكون علمانية متسامحة أو محايدة أو معاندة ، لهذا نجد أن المثقف السعودي مدعي الليبرالية ، دائماً ما يؤكد ثلاثة مسائل عندما يتحدث عن مفهومها ، أو يريد تسويق فكرتها في المجتمع ، وسوف تلاحظ أن كل مسألة مرتبطة بما قبلها ، الأولى تأكيده أنه ليس علمانياً بتاتاً ، كون العلمانية ترسخت في المجتمع كتهمة بالكفر ، والمسألة الثانية تأكيده أنه لا علاقة فكرية أو تاريخية بين الليبرالية والعلمانية ، وهذا خلل فكري ونقص معرفي لديه ، أما المسألة الثالثة فإنه يؤكد بعدم معارضة الليبرالية للإسلام ، كونها حسب وعيه مجرد طريقة في ممارسة الحرية ، وبذلك تتكيف مع المعتقدات الدينية والخصائص الثقافية لأي مجتمع ، وهذه مغالطة تحتاج مقالا ً مستقلاً لبيانها .


المسائل الثلاثة التي أشرت لها ويدور في فلكها من يرى نفسه ليبرالياً بين المثقفين السعوديين هي أشبه بـ(التضليل الفكري) ونقص الأمانة العلمية إذا كان يعي فعلياً العلاقة الجذرية بين الليبرالية والعلمانية ، أما إذا كان يجهلها فنبغي أن لا يسوق لفكرة تفتقر المعلومة الصحيحة ، لأن العلمانية تعتبر محورية في المنظومة الليبرالية ، بينما الليبرالية كمنظومة فكرية تعد أشمل من العلمانية بالمعيار الحضاري ، لهذا نجد أن الدول الليبرالية هي علمانية في طبيعتها مثل أميركا وفرنسا وغيرها، كونها تجمع الحرية في كل مستويات الحياة مع موقف واضح من الدين بالتسامح أو الحياد ، بينما يمكن أن نجد دول علمانية ولكنها غير ليبرالية ، بمعنى أن لها موقفاً من الدين ، سواءً بالحياد أو الإبعاد عن مناحي الحياة ، لكنها تفتقر لأبرز وأهم الحريات كالحرية السياسية أو الفكرية أو الإعلامية مثل الصين وكثير من الأنظمة العربية كسوريا وتونس ومصر وغيرها ، ما يعني أن كل دولة ليبرالية هي علمانية ، ولكن ليس كل دولة علمانية ليبرالية ، والقياس يكون كذلك على المثقف ، فكل مثقف يرى نفسه ليبرالياً لابد أن يكون بالأساس علمانياً ، ولكن ليس كل علماني هو ليبرالي .

moh.alkanaan555@gmail.com * أو تويتر : @moh_alkanaan





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق