الاثنين، 17 مارس 2014

وجوه سلفية، بثياب ليبرالية، تزعم أنها تنويرية إصلاحية


  وجوه سلفية، بثياب ليبرالية، تزعم أنها تنويرية إصلاحية  
   
 
·فهؤلاء التنويريون هم ذوو ماض وخلفية إسلامية لا تخفى، نشؤوا على أيدي العلماء    وبعد أن قوي عودهم - أو هكذا ظنوا- ارتدوا على أساتذتهم بسوء الأدب، والطعن في صحة دينهم، واتهامهم بالممالئة للسلطان
·صنيع التنويري مستكره، يريد إسقاط من يحمل القرآن والسنة بفهم السلف رأسا، كهول التنوير يقصد ذلك قصدا، والشباب منهم لا يدركون جناية ما يمارسون، حماستهم اللاواعية تقودهم بغرور وعمى إلا قليلا منهم
 التنوير
هدف التنوير: النهوض بالأمة.
 وسيلتاه: إبطال الاستبداد، وجمع الأمة.
فالعائق أمام الهدف:
- الاستبداد السياسي؛ بمعنى التفرد بالحكم وتوارثه، ينتج ضعف الأداء السياسي، وتقديم مطامح النخبة على مصالح الأمة.
- تفرق الأمة سنة وشيعة وغير ذلك، يدخل الأمة في متاهات التناحر والضعف واستغلال القوى الغربية.
العلاج: إزالة العائقين. بطريق:
- نشر الديقراطية؛القاضية على الحكم الفردي الوراثي، المانعة من الاستبداد وتوابعه، التي ترجع إلى الأمة دورها في اختيار الحاكم وأسلوب الحكم.
- إضعاف المؤسسة الدينية؛ لدورها في ترسيخ الاستبداد السياسي، بفتاواها المرسخة لطاعة ولي الأمر ومنع مخالفته أو الخروج عليه، بأي نوع ولو بالمظاهرة السلمية. ودورها في إضعاف الأمة بموقفها السلبي من الفرق الإسلامية، بإخراجها من حضن الأمة بدعوى التبديع.
كل ما سبق من: هدف، ووسيلة وعلاج. يندرج ويجتمع تحت مفهوم واحد هو: الحرية.
نهوض الأمة وإبطال الاستبداد وجمع الأمة كل ذلك يتحقق من طريق الحرية.
أساس المشكلة الجمعية هو: الاضطهاد للمعتقد، وللرأي.
والاضطهاد يقع في صورة: التدخل في النيات، والتفتيش في القلوب، والحكم بالضلالة والتبديع،   وتكميم الأفواه، والحبس وتوابعه. كلها تعالج بالحرية.
في التنوير مفاهيم أساسية:
الحرية، النهضة، الامة الواحدة، الديقراطية، منع الاستبداد السياسي والديني.
في تقويم فكرة التنوير نرى التنوع؟.
فالهدف النهضوي متفق عليه؛ فلا يوجد على الأرض معارض لنهضة الأمة إلا معادي.
واعتبار الاستبداد السياسي والتفرق الديني عائقا أمام الهدف، غير متفق عليه بإطلاق؛ بل في صورة دون أخرى.
متفق عليه إذا أدى ذلك فعليا إلى اضطهاد وتخلف، ليس إن لم يؤد إلى ذلك، وهو متصور.
ذلك؛لأن التاريخ احتوى على دول ذات حكم استبدادي فردي وراثي أورث نهضة حقيقية. وذات صبغة دينية واحدة - سنية أو غيرها - وكانت قوة عظمى نهضوية.
ودول ديمقراطية لم تحقق إلا الاضطهاد وتوابعه كالتخلف، كحال كثير من الديقراطيات الحديثة، وأخرى فردية استبدادية، ذات توجه فكري أوحد، احتلت مركزا في القوى المتقدمة العظمى.
إذن ليس التخلف والاضطهاد مع الحكم الفردي أو المذهبي الواحد كقاعدة مضطردة.
وعليه فيسقط ما فرضه التنويري عائقا مطلقا (= الاستبداد السياسي، الاختلاف الفرقي)
نعم لو فرضه في حال دون حال فقد صدق.
لو أخذنا الوجه المتفق عليه؛ في حال حكم استبدادي وفرقة فرقية كانت سببا مؤكدا ثابتا في عرقلة النهضة، وهو الوجه السلبي للحكم والتفرقة:
كذلك، فالمعالجة التنويرية للعائقَيْن فيها نزاع وعدم اتفاق كلي.
فأهل التنوير يطرحون الديمقراطية حلا أصيلا منسجما مع الشريعة، لا بل يؤكدون أن الإسلام دعا إليه، و أن طريقة تولي الخلفاء الراشدون للخلافة ما كانت إلا بطريق الانتخاب الديمقراطي.
خطأ فاحش يضعف اليقين ويفقد الثقة بالمشروع التنويري كليا، وينظر إليه مشروعا تحريفيا لمبادئ الدين المنزل؛ إذ الفرق بين النظامين الإسلامي والديمقراطي من الظهور، بحيث يجعل منهما شرعة ومنهاجا مختلفين كليا، فكيف يتخطى التنويري هذا الظهور، فيزعم ألا اختلاف، إلا أن يظن في الآخرين نقصا في الفهم، وعاهة مانعة من التمييز، تتيح تمرير هذا التضليل الصريح؟.
 ربما كان أحسن لمشروعه، أن يقر بما هو كالشمس في ظهوره من التباين ما بين المنهجين، وفي استعمال مبدأ: "الضرورة تبيح المحظورة". مندوحة عن ذلك التحريف. فقد أجاز علماء الإسلام الدخول في الديمقراطيات القائمة بإعمال هذا المبدأ واستندت إليه، وربما يجيزون حتى إنشاءها وابتداءها إذا لم يكن ثمة سبيل لردع الظالم إلا من طريقها، باستعمال مبدأ: "ارتكاب أدنى الضررين".
كل هذه المخارج الشرعية غفل عنها التنويري، مصرا على شرعنة الديقراطية، لأحد سببين:
- إما لأنه جاهل بالطرق الشرعية لحل المشكلات المعاصرة.
- أو أن استغراقه في مشاريع التنوير، وإعجابه المتنامي لكل ما هو غربي، عطل عقله عن الرجوع إلى مصادر الشريعة، وأنساه قاعدة كبرى لا تغيب عن بال القرآني المهتدي بالنور الإلهي: أن من لم يحكم بما أنزل الله حكم بغيره، وهو كفر، والديمقراطية لا شك أنها ليس حكم الله، بل حكم الشعب.
أما المشروع التنويري لإضعاف أو المؤسسة الدينية الرسمية أو المستقلة على حد سواء، فتلك الخطوة المستكرهة، والتنكر لأفضال من جعل للتنوريين قيمة ولو في نفوسهم.
فهؤلاء التنورييون هم ذوو ماض وخلفية إسلامية لا تخفى، نشؤوا على أيدي العلماء، وبما عندهم من علم نالوا الفهم والإدراك، ومن دونهم ما كانت لهم همة في شيء يذكر، إلا أن يشاء الله، غير أنهم في كل الأحوال لم يدخلوا في الوعي بحال الأمة وأسباب الوهن والضعف وتسلط العدو إلا بالتلمذة على أيديهم بالعلوم الشرعية والدعوية والثقافية.
وبعد أن قوي عودهم - أو هكذا ظنوا- ارتدوا على أساتذتهم بسوء الأدب، والطعن في صحة دينهم، واتهامهم بالممالئة للسلطان، وفي أقل أحوالهم أنهم مغفلون لا يدركون ما يدركه أهل التنوير من أمر الواقع.
الخطأ في هذا، وسم جميع العلماء بوسم واحد، والغفلة التامة عما لكثير منهم من أدوار حية في معالجة القضايا العامة، منها المعلن، ومنها غير المعلن.
والخطأ في هذا، مطالبة كل عالم بعينه أن يكون مثالا للتضحية والإنكار العلني في القضايا التي يحددها أهل التنوير خاصة، وإلا فهو وغيره من أسباب تردي الأمة !!.
لا ينظرون إليهم من زاوية أخرى؛ زاوية الرأي الآخر، فربما يرى رأيا غير ما يراه أهل التنوير، اتسعت صدورهم لكل الآراء، حتى رأي الضالين والمغضوب عليهم إلا الذين أنعم الله عليهم.
لهذه المشكلة حل يسير، هو:  أن يعمل أهل التنوير في خدمة قضية التنوير دون همز أو لمز في مواقف الذين أفنوا أعمارهم في تعلم علوم الشريعة وتعليمها، ويكونوا كأحد الأعلام الذي قال كلمة أخذ ماءها من حكمة إلهية:
"نعذر العلماء إذا قصروا في معرفة أمور الواقع، والأمة بعضها يكمل بعضا".
هذا كلام من يفهم مكانة العلماء، ويقدر شيبتهم في الإسلام على القرآن والسنة، لا يغالي فيهم، ولا ينفي حقهم ومكانتهم، تكلم به مدركا أحوال الأمة وما تحتاجه للنهضة، علم أن من ذلك: عدم إهدار جهود ومكانة أساتذة الدين. تكلم به، وأكثر هؤلاء التنوريين لم يناهزوا الحلم إلا توّاً ؟!.
 أما صنيع التنويري فهو مستكره، يريد إسقاط من يحمل القرآن والسنة بفهم السلف رأسا، كهول التنوير يقصد ذلك قصدا، والشباب منهم لا يدركون جناية ما يمارسون، حماستهم اللاواعية تقودهم بغرور وعمى إلا قليلا منهم، لم يصطبغوا بصبغة التنوير كليا.
من الأمور التي يستعملها أهل التنوير لإسقاط العلماء، اتهامهم بممالئة السلطة، والذي لا ريب في أن مواقف العلماء من السلطة متنوعة مختلفة، لا يصح جمعهم في بوتقة واحدة، غير أن أكثرهم لهم رأي في طريقة التغيير والإصلاح، لا يتفق في مجملها مع طريقة التنوريين، الذين ينطلقون من غير ضوابط واضحة، سوى مجرد التغيير، فهم يؤيدون تغيير السلطة دون دراسة العواقب والنتائج، بل ويفرضون نتائج إيجابية ابتداء عن طريق التخمين والظن لا أكثر، وهذا بدا جليا في تناولهم للثورات العربية، والأيام تكشف أن كل عملية تغيير غير محسوبة، تحمل معها آثارا أسوأ مما كان، فبحسب تاريخ الثورات، لم تأت ثورة بالجديد الأحسن، إنما الأسوأ، فهل ستكون الثورات العربية استثناءا في التاريخ ؟.
مضى حتى اليوم أكثر من نصف عام لم تحقق ثورة أهدافها مع تعاظم التضحيات ودخول بعضها في حرب أهلية طاحنة، هذه النتائج تثبت حدس العلماء.
لا يلزم عن الموقف الرافض لتغيير السلطة عن طريق المظاهرات، ممالئة ووقوفا كاملا مع السلطة، كما لا يلزم عن الموافقة نفاق أو تلاعب بالدين، ويمكن أن يفسر في نطاق الاجتهاد المحض، لكن التنويري يضيق باجتهادات العلماء الذين تعلم على أيديهم، ولا يضيق بالمخالف للسنة أو الملة.
هذا، وإن وجود ممالئين باعوا دينهم بعرض من الدنيا حقيقة لا ينكرها أحد، لكن الحذر من تهمة أحد بشخصه أو تعميمه على الجميع.
الإصلاح هم لازم لكل مخلص صادق، ليس التنويري وحده، حيث إن كثيرا من الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والدينية، تعتورها آفات لا يصح السكوت عنها، والساكت عن الحق شيطان أخرس، لكن الطريق ليس بالإسقاط الكلي للآخر فيما تميز به من موقف، كلا، بل هذا يستفاد منه في تأصيلاته، وهذا في مبادراته، وهكذا تجتمع القلوب والجهود.
الخطأ في مبدأ: " ما أريكم إلا ما أرى".
كما هو في قوم ليست لديهم أية مبادرة ولا شيء من التأصيل، سوى الرصد والنقد للعلماء.
 قضية أخرى من مبررات الإسقاط: موقف العلماء - خاصة منهم أساتذة العقيدة - من جنوح الفرق كالشيعة، بالتحذير من تقارب يلغي الهوية السنية، ويوقع تحت الهيمنة الشيعية، فالفروق العقدية الأصلية راسخة بيّنة، فلا اجتماع حقيقي إلا بتحول كلي تجاه الآخر.
هذا الموقف الراسخ لم يرق للتنوريين، ولا يزال الجميع يذكر المناوشات حول التحليل العقدي، إبان بداية ثورة حزب الله في لبنان في 2006، فقد مارس التنويري تهكما وسخرية بالعقدي وتحليلاته للخلاف الشيعي السني، ثم ما لبثت الأيام كشفا عن صحة رأي العقدي في الشيعة وحزب الله، عام واحد فحسب كان كفيلا، لكن ذلك لم يردع التنويري - بعضهم تنبه لهذا - فراح يزيد ويمعن في العناد، وهو في زيادة من هذا منذ بدا، حتى كان هذا العام؛ حيث تعرضت بعض دول الخليج لتهديد حقيقي من رعاياها من الشيعة، خطر لم يسع الليبرالي والسياسي إلا أن يقر به ويسعى في كفه، وهو أبعد ما يكون عن طريقة التحليل العقدي، غير أن التنويري إما ساكت، والسكوت في هذا الحال انحياز، أو يتكلم بالمنطق ذاته الذي درج عليه.. لم يعتبر مما كان !!.
صحة موقف العلماء وأهل الاختصاص العقدي في هذا كان ينبغي - أدبا - أن يسجل ويقر به، لكن ذلك لم  يتلطف به تنويري ؟!!.
أخيرا: فإن مما يوقف على جنوح طريقة التنوير، المظاهرة الواضحة منهم لأطروحات الليبراليين، في قضايا الحريات الفكرية والثقافية، والمرأة، والفرق المخالفة، بل يكاد التوافق بينهم يأخد مداه البعيد، حتى إنك لتعجز عن التفريق بينهم في ألسنتهم ومنطقهم، حتى لتقول:
سبحان ربي!، هذه وجوه سلفية، بثياب ليبرالية، تزعم أنها تنويرية إصلاحية.

هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق