الثلاثاء، 18 مارس 2014

جميل الأسد وقصة تشييع سوريا

جميل الأسد وقصة تشييع سوريا
23-08-1434 06:11

ثائر الزعزوع:

في ثمانينات القرن الماضي ظهرت في سوريا، وبالتحديد في مناطق الساحل السوري جمعية خيرية تدعى جمعية المرتضى كان يرأسها جميل الأسد شقيق الديكتاتور الهالك حافظ الأسد، وقد نشطت تلك الجمعية في الأعمال الخيرية وفي مساعدة بعض المحتاجين، لكن ذلك كان الظاهر وأما الباطن فهو أن جمعية المرتضى لم تكن سوى غطاء لمشروع التشيع الذي بدأت إيران بتنفيذه في سوريا.
استطاع جميل الأسد استغلال حاجة بعض الناس، وخاصة من أبناء الطائفة العلوية لتشييعهم وقد نجح أيما نجاح، يساعده في ذلك الغطاء الذي يوفره له شقيقه والجهل المتحكم في بعض القرى والأرياف، كان الدعم الإيراني المادي يصل إلى جميل الأسد بشكل مباشر ودون وسطاء، فيقوم بدوره بتوزيع ذلك الدعم عبر مساعدين له وزعهم في قرى ومناطق الساحل السوري، في تلك الفترة المتقدمة لم تتجاوز "خطة التشييع" المنطقة الساحلية، صحيح أن العلويين لا يصنفون أنفسهم كشيعة لكن بعض التشابه في العقيدة يسر الأمور كثيراً بالنسبة للداعية الشيعي، الذي عمل بالإضافة إلى ذلك في مجال الاستثمارات والعقارات وتغولت ثروته خلال سنوات حكم شقيقه، الذي بنى بدوره تحالفاً "استراتيجياً" مع طهران، وكان الوحيد من بين جميع الدول العربية والإسلامية الذي قرر دعم إيران في حربها ضد العراق.

ولم يكن الحضور الإيراني في فترة الأسد الأب مقتصراً على ما يفعله جميل، أو على العلاقات الدبلوماسية، بل إن مكتب المستشارية "الثقافية الإيرانية وسط العاصمة دمشق، كان بمثابة "المركز التثقيفي" لنشر "الفكر الشيعي" من خلال الاتجار بقضية فلسطين التي نجحت إيران أيما نجاح في استثمارها وتحويلها إلى مشروع ناجح تستطيع من خلاله العبور، دون معوقات عقائدية، إلى وجدان أبناء الطائفة السنية من السوريين المؤمنين بضرورة "تحرير" فلسطين، وبرز الخميني ومن بعده الخامنئي كرجلين قادرين على قيادة "جيوش" الإسلام لتحرير بيت المقدس، ولعل هذه "البروبوجندا" قد أثمرت، على المستوى الشعبي، وبالمقابل فإن المستوى الثقافي والسياسي والذي كان معطلاً إبان حكم الأسد الأب بشكل كلي، لم يستطع أن يدلي بدلوه في تشخيص الظاهرة الإيرانية لأنها اعتبرت من المحظورات.


كانت المقامات الشيعية، وتحديداً تلك الموجودة في دمشق، قد بدأت تشهد إقبالاً غير مسبوق من قبل الزوار الإيرانيين الشيعة، واستطاعت طهران أن تتوغل في عمق الوسط التجاري السوري من خلال تمويلها و إشرافها المباشر على تجديد ضريح رقية بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ولم يقتصر التوسع الإيراني على "الضريح" بل شمل المحلات والأسواق التجارية القديمة في سوق الحميدية الدمشقي العريق، وصولاً إلى جوار مسجد بني أمية الكبير، فلم يعد مستغرباً مصادفة محلات وبضائع وبائعين إيرانيين في تلك المنطقة.
داخلياً أيضاً، كان الأسد قد أنهى وبعنف شديد خصومه السياسيين من خلال حملات عسكرية شنها على عدة مدن قضى من خلالها على تمرد مسلح كانت تقوده جماعة الأخوان المسلمين، وكذا فقد امتلأت المعتقلات بكافة المعارضين السياسيين ومن مختلف الأطياف، وتحولت سوريا مع هذه الضربات المتلاحقة إلى معتقل كبير.

وبالمقابل فقد كانت فترة الثمانينات حافلة بالكثير من التطورات على الصعيد الإقليمي، لعل أكثرها بروزاً كانت الحرب العراقية الإيرانية، وبالتوازي معها كان اجتياح القوات الإٍسرائيلية لبيروت، وكانت القوات السورية قد دخلت لبنان قبل ذلك بسنوات إبان الحرب الأهلية اللبنانية تحت غطاء قوات الردع العربية في محاولة لحقن الدماء وضبط الأمن. ومع تشكل بذرة المقاومة اللبنانية للقوات الإٍسرائيلية برز على الساحة حزب الله وعلى الفور اكتسب دعماً منقطع النظير من النظام السوري ما أهله ليتصدر المشهد اللبناني وبقوة، وصاحب ذلك الدعم مباركة إيرانية وسوف يتضح بعد ذلك عام 1985 ولاء حزب الله المطلق لإيران ولعقيدتها من خلال بيان صادر عن الحزب يقول: "إن الحزب ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة".


بدأت ملامح التحالف الشيعي تظهر جلياً مع إصرار حافظ الأسد على ترسيخ سلطة حزب الله في لبنان عسكرياً، وكذا من خلال المد الإيراني المستمر داخل سوريا، وبعد تولي بشار الأسد الرئاسة خلفاً لأبيه لم يعد المشروع "الدعوي الشيعي" مقتصراً على القرى الفقيرة في الساحل السوري، بل امتدّ أكثر وأكثر، ليصل إلى المنطقة الشرقية ذات الغالبية السنية، وبدأ البحث الإيراني المحموم عن أي مكان قد يشكل موطئ قدم، ازدادت بشكل محموم قوافل "الزوار" الشيعة إلى ما يسمونه المراقد والعتبات المقدسة، وبدا واضحاً نهم الإيرانيين للتوسع من خلال تلك الأضرحة أو أشباهها، وعمدوا إلى التوسع أفقياً وعمودياً داخل سوريا، وتحول السفير الإيراني في دمشق إلى شخصية عامة تستطيع التدخل في كل صغيرة وكبيرة، فيما بعد ستتكشف حقائق عن ارتباط عدد من أقوى شخصيات المخابرات السورية باطلاعات الإيرانية، وتلقيها أوامر مباشرة من طهران دون المرور عبر دمشق، ولعل من أشهر تلك الشخصيات كان اللواء محمد ناصيف خير بك والعميد محمد سليمان المستشار الأمني لبشار الأسد والذي تم اغتياله عام 2008 في عملية نسبت وعلى الفور إلى العدو الإسرائيلي، بينما تؤكد المعلومات المتطابقة التي رشحت عن العملية أن النظام نفسه قام بتصفيته بسبب تورطه في تصفية القيادي في حزب الله عماد مغنية الذي انتهى دوره وبات شخصاً مزعجاً لإيران ولحزب الله في الوقت نفسه.

امتد النفوذ الإيراني كما أسلفنا في مختلف المناطق السورية، فعلى سبيل المثال اعتبر قبر التابعي أويس القرني في محافظة الرقة مقاماً شيعياً، وعلى الفور توجهت "الحوزة" لتقيم حسينية هناك، وبدأت حملة التشييع تحت أنظار الدولة التي لم تقم بأي خطوة لمنع هذا العبث الديمغرافي والاجتماعي الذي تقوم به طهران، وكذا تعاملت الحوزة مع الكثير من قبور الصحابة، فتحولت تلك القبور إلى نقاط انطلاق لنشر المذهب الشيعي، وقد أتاحت الحرب الأميركية على العراق وفود عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين والذين كان بعضهم موالياً لطهران، فشكلوا في المناطق التي سكنوها تجمعات تابعة لإيران مباشرة، والأمر نفسه حدث إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 إذ سجل فرار آلاف الشيعة اللبنانيين ممن دمرت قراهم باتجاه الأراضي السورية وبعد انتهاء الحرب عاد بعضهم لكن الكثيرين فضلوا البقاء في سوريا ربما بأوامر مباشرة من حزب الله، وشهدت محافظة درعا على وجه التحديد، وكذا بعض مناطق محافظة حمص "استيطاناً" شيعياً، وقد أقيمت في مدينة درعا ست حسينيات
و بدأت الآثار السلبية للاستيطان الشيعي تظهر منذ انطلاق الثورة السورية وتذرع حزب الله الدائم بالدفاع عن الشيعة والمراقد الشيعية في سوريا، ومن المفيد التذكير أن نسبة الشيعة في سوريا قد لا تتجاوز واحداً إلى اثنين بالمائة في أفضل الأحوال، استناداً إلى التقرير الصادر عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة عام 2005، بعنوان "الملل والنحل والأعراق"، والذي يشير إلى أن الشيعة يمثلون واحداً في المائة من عدد السكان. إلا أن حركة التشييع واستيطان الشيعة اللبنانيين ومن قبلهم العراقيين قد يكون رفع هذه النسبة لتصل إلى أربعة بالمائة، وذلك في سعي دؤوب وعمل منظم لإحداث خلل في بنية المجتمع السوري.

والحال هذه فإنه لم يكن مستغرباً أن يسهم نظام يدعي العلمانية في نشر وتسهيل نشر "السموم" التي تبث من "قم" فالنظام منح تراخيص لمطبوعات شيعية مثل مجلة "المعارج" التي يرأس تحريرها حسين أحمد شحادة، وهي تعنى بالتسويق لشخصيات وأفكار شيعية، وكذا مجلة أهل البيت.
والحقيقة أن تورط الكثيرين، ومن بينهم علماء دين، في تسويق التشيع الإيراني ليس خفياً على أحد، ويبرز في مقدمتهم مفتي الجمهورية أحمد حسون في دفاعه المستميت عن إيران وعن عقيدتها، و في خطبة شهيرة له ادعى حسون كاذباً "أنهم كانوا يخفون عنا أن يوم عاشوراء هو يوم مأساة في الأمة الإسلامية" بل إنه يذهب وفي تلك الخطبة نفسها إلى حد الإساءة لأمير المؤمنين، وكل هذا طبعاً إرضاء لطهران.


بعد أن حاول النظام القضاء على الثورة الشعبية ضده وفشل، بدا واضحاً أن إيران وحزب الله لن يقفا على الحياد، وظهر تورطهما منذ البدايات إن من خلال التصريحات، أو من خلال الدعم العسكري والبشري، وقد تمكن الجيش الحر في مرات عديدة من أسر مقاتلين إيرانيين في مناطق متفرقة من سوريا ولعل أشهر عمليات الأسر كانت تلك التي حدثت في شهر شباط أغسطس من العام 2012 حيث تمكن الجيش الحر من أسر 48 إيرانياً بينهم ضباط في الحرس الثوري الإيراني، وأسفرت عملية الأسر تلك عن مفاوضات أفضت إلى إطلاق سراح أكثر من ألف معتقل من سجون النظام مقابل الأسرى الإيرانيين.
وفيما يتذرع النظام السوري بحرصه الشديد على القومية والعروبة وهي حجة واهية تشبه إلى حد كبير اختباءه خلف مفردتي الممانعة والصمود، فإن النظام البعثي أو أحداً من منظريه المتشدقين بالعروبة لم يبد مرة واحدة امتعاضه من إصرار إيران على إطلاق تسمية الخليج الفارسي على الخليج العربي.
ولا تكتفي إيران بالعبث في الداخل السوري، بل إن أيديها تمتد لتعبث في اليمن والبحرين، والعراق، ولبنان بطبيعة الحال، إذ تنتشر الجماعات الموالية لطهران مشكلة فرق موت وميلشيات مسلحة خارجة على سلطة الدولة، وهي تتلقى التمويل بشكل دائم، بل إن عناصر تلك الميلشيات يخضعون لتدريب عسكري مكثف في لبنان على يد عناصر حزب الله، وهو ما أثبتته التحقيقات التي أجرتها السلطات البحرينية مع عدد من الذين ألقي القبض عليهم إثر أعمال الشغب التي شهدتها المنامة شتاء العام 2011.

لم تعلن إيران،صراحة، أنها تريد تشييع المنطقة بأسرها، لكن الأدلة على ذلك لا تحتاج إلى إعلان، ويروي أحد الشبان السوريين عن عرض تلقاه من جاره الشيعي فيقول: عرض علي مبلغ مائة دولار شهرياً، وعندما رآني غير مهتم زاد المبلغ إلى مائتي دولار. رفض ذلك الشاب العرض، لكن غيره قد يقبل به بسبب الحاجة المادية، والجهل كذلك.

أخيراً فإنه من المفيد التذكير بما قاله مهدي طائب رجل الدين الشيعي المقرب من الخامنئي والذي وصف سوريا بالمحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين، معتبراً أن خسارتها تعني خسارة طهران.
بعد هذا كله يقال ليست حرباً طائفية!!

ezzazoa@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق