الثلاثاء، 18 مارس 2014

أشياء اعترض عليها الشيخ صالح الحصين في حياته!

أشياء اعترض عليها الشيخ صالح الحصين في حياته!
27-06-1434 03:56

حبيب عبد الله :


رحل الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين الرئيس السابق لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، عن هذه الدنيا وقد عمرها بقيم وأخلاق نادرة قلما تجدها في أحد من العالمين اليوم، رحل الشيخ النحيل تاركا خلفه قصصا كثيرة أشبه ما تكون من نسج الخيال والمبالغة في عالم متغير وسريع لا يرضخ للقيم السامية وحسن النية وطهارة القلب، رحل شيخ التواضع والناس يتبادلون عبر الإنترنت والجوال بعضا من قصص تواضعه وزهده وبساطته وحبه لمساعدة الآخرين ودفاعه عن العمل الخيري، رحل الشيخ وهو الذي نأى بنفسه عن صراع الأحزاب والتيارات حتى بات الرجل النادر المتفق عليه وعلى قيادته للحوار الوطني، رحل الوزير ورئيس الحرمين وهو الرجل الذي يصلي ولا يكاد يتعرف عليه أحد من المصلين لشدة تواضعه وعدم حرصه على الصلاة خلف الإمام بل كان يصلي في أي مكان وبين المسلمين في الحرمين، رحل الشيخ ولكنه حضر جليا يوم وفاته بالرغم من غيابه المعروف عن المشهد العام في السعودية في أغلب فترات حياته، فالجميع حزن على فقده وسطر حزنه عليه، وكأنهم للتو يتذكرونه ويتعرفون عليه، ولم تمتلء مقبرة النسيم شرق الرياض بتلك الجموع التي حضرت لتحثو عليه التراب لا من قبله ولا بعده.

وبعيدا عن قصص ومواقف الشيخ الكثيرة في الزهد والتواضع والتي سطرها عدد من الكتاب الذين لازموه وعملوا معه في مواقع متعددة، وتلك التي ما فتئ يتحدث عنها الناس في منتدياتهم العامة وفي الشبكات الاجتماعية، بعيدا عن كل ذلك فقد رحل الشيخ وهو ثابت على مبادئه همه آخرته والشفقة على المسلمين ومعيشتهم ورزقهم، يجب الحديث عن هذه المبادئ والتذكير بها إلى جانب قصص زهده وتواضعه التي هي من نوادر عصرنا.

.. كان الشيخ بعيدا كل البعد عن الجدل والاعتراضات والرفض، إلا أن لديه ثلاثة مبادئ مشهورة ضمن مبادئ كثيرة في حياته لم يقبل التنازل عنها أو المساومة عليها وتغيير موقفه منها في مناصبه ووزارته وحتى مماته - رحمه الله -.

أولها أنه كان يحج مفترشا الأرض بجانب فقراء وضعفاء المسلمين ممن لم يستطع الاشتراك في حملة أو الحصول على خيمة، بالرغم أن أنظمة الحج تمنع الافتراش أثناء الحج وبالرغم من قدرة الشيخ على السكن في المخيمات الفارهة ومباني الضيافة بحكم عمله وهو الوزير ورئيس شؤون الحرمين إلا أنه بقي ثابتا على مبدئه لا يتزحزح عنهم قيد أنملة، مصرا على مشاركة الأرض المقدسة مع الضعفاء والبسطاء، وكذلك تأكيدا منه في الالتزام برأيه أن الحج يجب ألا يكلف المسلم المبالغ الطائلة التي يصرفها الحاج والمعتمر هذه الأيام .. كان الشيخ الحصين يرى أن المسلم غير مضطر لدفع خمسة أو عشرة آلاف ريال لصاحب الحملة، فكيف يكون رأيه اليوم وهناك بعض الحملات التي تكلف عشرات الآلاف !


المبدأ الثاني الذي ثبت عليه الشيخ بالرغم من الدعوى المرفوعة ضده في ديوان المظالم حتى السنوات الأخيرة له في المنصب، هو رفضه التام والصارم للتعامل مع البنوك حتى الإسلامية منها، حيث منع - رحمه الله - إيداع رواتب موظفي الحرمين الشريفين في أي بنك عند توليه رئاسة شئون الحرمينالشريفين عام 1422هـ، وكان رفض الشيخ لتحويل رواتب الموظفين إلى البنوك خوفا من شوائب الربا التي تعلقت بجميع البنوك وبسبب إشاعتها لثقافة القروض، فبالنسبة للبنوك الإسلامية ابتعد عنها اعتقادا منه أنها تستغل الشريعة لتغطية معاملات وممارسات ربوية، ويرى أنها سبب رئيس في إرهاق كثير من الناس بالديون والقروض التي تستغل الناس وخاصة الضعفاء عبر رفع نسبة فوائدها تحت مسميات إسلامية، وبالنسبة للبنوك الربوية فقد كان ينأى بنفسه بعيدا عن تقديم أي مساندة لها وكان يحاول ألا يكون طرفا في أي قرار للتعامل معها... ومما يذكر عنه - رحمه الله - أنه ترك عضوية بعض اللجان الشرعية في البنوك لإيمانه أنها تضع أغلفة ومصطلحات إسلامية لممارسات هي في النهاية ربوية.

وقد قال الشيخ في مقدمة كتابه "خاطرات حول المصرفية الإسلامية": "والمقالات التي تضمها هذه المجموعة تظهر أن النظام المصرفي المبني على الربا الصريح أو الربا المغلف الذي يطبق تحت اسم المصرفية الإسلامية، ليس هو الوسيلة الصحيحة للإصلاح الاقتصادي في العالم الإسلامي".


والمبدأ الثالث كان يتلخص في تهربه من الفتوى وإلقاء الدروس بالرغم من كونه الشيخ العالم وعضو هيئة كبار العلماء ورئيس الحرمين الشريفين، وكان كثيرا ما يطلب من المستفتين والسائلين الذهاب إلى غيره من المتخصصين في الفتوى وخاصة في الحج حيث يوجد أكثر من ركن خاص للافتاء واستقبال الأسئلة في المشاعر وفي الحرم، وفي كل لقاء معه وخاصة في بيته أو عند زيارته لأحد فهو يفضل سماع الجديد والنقاش حوله على إلقاء محاضرة دينية، في حين نجد المبتدئ في طلب العلم الشرعي يتصدر للافتاء في الميراث والزواج والعهود، وبات آخرون يتسابقون إلى الافتاء في القنوات وفي مجامع الناس وكأنها أراء شخصية وليست مسائل شرعية ترد لأهل العلم وأحيانا إلى الراسخين في العلم فقط.


ومن الأمور التي لم يصرح الشيخ بمعارضته لها علنا في السنوات الأخيرة هي ارتفاع الأسعار للفنادق والشقق حول الحرمين، فهو يرى أن السكن يجب أن يكون بمقدور جميع المسلمين وخاصة الفقراء، ولذا يجب ألا يقع الحرمان تحت وطأة التجار، وأن لا يطغى مفهوم المال ومبدأ الربح والثراء على شعيرة العمرة والحج، وكان - رحمه الله - تكفيه خمسة الاف ريال كل شهر ولا يطلب زيادة فوقها ويقيس الحياة عليها، فهو يرى أنها كافية للعيش وللحج والعمرة .

.. أخيرا رحل الشيخ الصابر والحليم وهو الذي يسافر وحيدا بثوبه وغترته المعروفتين وبدون عباءة أحيانا، يركب من حسابه الخاص في باص النقل الجماعي مسافرا من مكة إلى المدينة من أجل أن يتفقد المسجد النبوي، ويحجز على الدرجة السياحية مغادرا من جدة إلى الرياض ويستخدم سيارات الأجرة لمواصلة مشاويره بالرغم من أنه يستطيع السفر على الدرجة الأولى ودخول صالات كبار الشخصيات والحصول على استقبال رسمي، وحتى عند تعرضه مرة لمعاملة سيئة من موظف الخطوط السعودية الذي ألغى حجزه ولم يكن يعرفه، لم يغضب الشيخ وبقي حليما يتودد للموظف حتى أنهى حجزه وسافر بدون ضجيج وإعلام وبدون أن يعرف من كان في المطار أنه الوزير.


ويا ليت كل من يرثي ويكتب عن تواضع وزهد الشيخ هذه الأيام وخاصة المسؤولين أن يقدم شيئا قليلا في البساطة والزهد ويقدم مصلحة دينه ووطنه على مصلحته الشخصية، وأن يكون متواضعا أمينا ليحبه الناس ويدعوا له في حياته وبعد مماته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق