الثلاثاء، 18 مارس 2014

حكاية الحجاب في التلفزيون المصري

حكاية الحجاب في التلفزيون المصري
06-05-1435 11:38

موقع المثقف الجديد - عمر يونس :
تنص المادة الثانية من الدستور المصرى لعام 1971 على أن " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع ", لكن الأيام أثبتت أن الواقع على الأرض فى مصر لاعلاقة له بهذه المادة لامن قريب ولا من بعيد, فالمسألة لاتتجاوز المداد الذى كتبت به حتى حين يكثُر الجدل حولها بين القوى السياسية بمختلف أطيافها فضلا عن دخول الكنيسة المصرية على خط الصراع ,ورغم ذلك فإن الدولة المصرية تبدو للقاصى والدانى تسير بخطى متسارعة نحو العلمانية فى كل مؤسساتها بما فى ذلك المؤسسة الدينية الرسمية التى يمثلها الأزهر.
إن الناظر إلى مؤسسات الدولة المصرية والمتتبع لمشكلات المنتمين للتيار الإسلامى فيها يدرك هذا الأمر جيدا ,فهاهى القضايا فى أروقة المحاكم بين هؤلاء ومؤسسات الدولة بسبب اللحية للموظفين والحجاب والنقاب للموظفات ,فكم منهم حُرموا من العمل فى مؤسسات الدولة بسبب الحرية الشخصية فى الملبس والمظهر...فعلى سبيل المثال فى شركة مصر للطيران تُمنع المضيفات المحجبات من أداء عملهن وكذلك يُمنع المضيفون الملتحون من ممارسة وظيفتهم ,بل فى نوادى الشرطة والجيش يحظر دخول أى ضابط ملتحٍ حتى لوكان من المتقاعدين عن الخدمة فضلا عن المنتقبات ,ولقد عاش الرأى العام على مدار سنة كاملة أيام حكم الرئيس مرسى قضية الضباط الملتحين والتى انتهت فصولها بإحالتهم إلى التأديب رغم حصولهم على حكم قضائى يقضى بحقهم فى ممارسة وظيفتهم وضرب وزير الداخلية بهذا الحكم عُرض الحائط ,بل قال فى تحد سافر" لن يدخلوا الوزارة إلا على جثتى "..
مايهمنى فى هذا المقال هوالإشارة إلى قضية ظهور المذيعات المحجبات على شاشة تليفزيون الدولة الرسمى والتى ترجع بداياتها عام 1970 فى فترة حكم الراحل الرئيس السادات ,حيث بدأت بحجاب المذيعة كاريمان حمزة التي سُمح لها فيما بعد بإعداد برنامج غير دوري ذي طابع ديني ,وتحكى كاريمان حمزة قائلة " ومن وقت ما ارتديت الحجاب وأنا في مشاكل داخل التليفزيون، والمسئولون حولوا ارتدائي للحجاب إلي توجهات دينية إلا أنني في الحقيقة لم أكن أدرك معني كل هذه الصراعات، حتي إنني لم أفهم شيئا في السياسة كان خوفهم من حجم التأثير الذي أحدثته في الناس.. وزاد من قلقهم أنه بعد ارتدائي للحجاب بأربع سنوات كانت تجري مسابقة عامة لاختيار أكثر المذيعات المقبولات جماهيريا، وكانت نجوي إبراهيم تحتل دائما المرتبة الأولي، إلا أنني تفوقت عليها وحصلت علي المركز الأول" .
يوليو 2010
ثم هدأت الظاهرة إلى أن بدأت في الانتشار على نطاق واسع وبالجملة عام 2002 عندما أقدمت ثلاث مذيعات عاملات في قناة الإسكندرية الإقليمية المعروفة بالقناة الخامسة على لبس الحجاب دفعة واحدة وهن رانيا رضوان وغادة الطويل وهالة المالكي ,وتم منعهن من تقديم برامجهن بسبب ارتدائهن الحجاب ,وكان هذا دليلا على أن الواقع لاعلاقة له بالمادة الثانية التى بينت هوية الدولة ,ولابمادة الحريات التى نص عليها هذا الدستور فى المادة 41 .
وفي العام التالي 2003، ارتدت ست مذيعات جدد الحجاب مما أدى إلى حرمانهن من الظهور على الهواء على خلفية سياسة منع ظهور المحجبات غير المعلنة، أربع منهن في "قناة النيل للأخبار" الناطقة بالعربية، واثنتان في قناة "نايل. تي. في" الناطقة بالإنجليزية... وتصاعدت الأزمة بين التلفزيون المصري والمذيعات المحجبات اللاتي بلغ عددهن اثنتي عشرة مذيعة في أعقاب لجوء المذيعة "مها مدحت" إلى القضاء للشكوى من صدور تعليمات بالتلفزيون المصري في نوفمبر 2003 تمنعها من الظهور على الشاشة بالحجاب، بعدما سبق أن اشتكت لرؤسائها ورُفض طلبها وذلك فى عهد وزير الإعلام صفوت الشريف .
وكانت "مها مدحت" أحدث المذيعات المحجبات في القناة الثانية بالتلفزيون المصري قد اتفقت –كما تروي هي- مع رئيسة التلفزيون المصري زينب سويدان على أن تغير شكل حجابها كي يكون مثل حجاب رئيسة وزراء باكستان السابقة بنازير بوتو (أي تظهر جانبا من شعرها) كشرط للسماح لها بتقديم برنامج ديني في شهر رمضان (معالم إسلامية) قدمت منه سبع حلقات بيد أنها فوجئت عقب انتهاء شهر رمضان في نوفمبر 2003 بمنعها من الظهور.. وبعد هذه الواقعة قبلت غالبية المذيعات المحجبات بالعمل خلف الكاميرا في الإعداد أو بالصوت فقط دون الصورة فيما قدمت أخريات استقالتهن لإصرار اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري على رفض ظهور المذيعات محجبات استنادا لما صرح به رئيس الإتحاد حسن حامد من أن العقد بين المذيعة (بغير الحجاب) وبين الاتحاد يُفسخ في حالة لبس الحجاب على الرغم من أن التلفزيون المصري ليس في لوائحه ما يمنع من ظهور مذيعات محجبات على شاشات قنواته... وفى آواخر عام 2004 صدر تقريرقضائي تاريخي أيد حق المذيعات اللاتي تحجبن بعد التحاقهن للعمل بالتليفزيون المصري في أن يظهرن على الشاشة الصغيرة بالحجاب، وأوصى بإعادتهن لعملهن معتبرا أن إقصاءهن عن عملهن كمذيعات من قبيل "التنكيل" و"يخالف الدستور المصري " وأقول إن الحكم تاريخي لأن سوزان مبارك قرينة الرئيس المصرى لم تكن لتسمح وقتها بظهور محجبات على شاشة تليفزيون الدولة الرسمى لكونها الآمرة الناهية فى هذا الشأن ....ورحل صفوت الشريف وخلفه ممدوح البلتاجى ثم جاء" أنس الفقى " ولم ينفذ أى منهما حكم المحكمة فى تحد سافر للقانون والدستور الذى أقسموا على احترامه وكأن لسان حالهم يقول " أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون", ويحدث هذا كله فى دولة نسبة المسلمين فيها تقترب من 95% ودستورها ينص على احترام الحريات !!!! ,وبعد منعهن من الظهور علي الشاشة قامت المذيعات بعدة إجراءات، منها: محاولة إيجاد حلول وسط مع القيادة السابقة رئيسة القناة فاطمة فؤاد (التي تم ترفيعها وأصبحت رئيسة القناة الثانية فيما بعد) ,ومع رئيسة التليفزيون في ذلك الوقت زينب سويدان, ودارت مفاوضات علي منحهن الحق في العمل كمذيعات دون الظهور علي الشاشة كأن يقمن بالتعليق الصوتي فقط علي البرامج وإجراء الحوارات بالصوت فقط ,وتم إعطاؤهن الكثيرمن الوعود الجميلة ,وبعد عام عندما لم يتحقق شيء توجهن إلي رئيسة التلفزيون مرة أخري والتي قالت لهن: (انتوا موظفين حكومة ملكوش عندي غير مرتبكم وأحسن لكم تنسوا حلم إنكم تظهروا علي الشاشة بالحجاب وأعلي ما في خيلكم اركبوه.. ارفعوا قضية واتحدوا أقوي وزير في بلدكم فى إشارة إلى صفوت الشريف.
وفى عام 2005 عادت قضية المذيعات المحجبات إلى دائرة الأضواء من جديد إذ حددت محكمة الإسكندرية الإدارية يوم الثالث والعشرين من شهر نوفمبر النظر في الدعوى المرفوعة من المذيعات المحجبات ضد أنس الفقي وزير الإعلام بصفته ,وذلك لامتناعه عن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا بالإسكندرية بإلغاء قرار وزير الإعلام السابق صفوت الشريف الذي كان قد أصدره قبل رحيله من الوزارة ,والذي كان يقضي بمنع ظهور مذيعات محجبات على الشاشة الصغيرة ,وقالت المذيعات في دعواهن إن حرمانهن على مدى أكثر من ثلاث سنوات من ممارسة عملهن بدون ارتكابهن لأي خطأ إداري أو فني أو مهني يعد تعسفا لا مبرر له. وأوضحت عريضة الدعوى أنه نظرا للأضرار الأدبية والمادية التي أصابتهن نتيجة حرمانهن من ممارسة عملهن فإنه يستوجب تحمل وزارة الإعلام تعويضا ماديا قدره مليون جنيه .وظلت الدولة تتعسف وترفض تنفيذ الحكم حتى تولى الرئيس محمد مرسى الحكم فولى حقيبة الإعلام فى حكومته للدكتور صلاح عبد المقصود, والذي اتخذ قراره بظهور المذيعات المحجبات في النشرات الإخبارية فور توليه المنصب ,ونفذته المذيعة فاطمة نبيل فى 2سبتمبر 2012 ومهد له من قبل إبراهيم الصياد رئيس قطاع الأخبار......

ولم يكن عجيبا أن يختفى الأزهرعن المشهد ولم ينبس ببنت شفة فى هذه القضية التى استمرت قرابة تسع سنوات ,ثم حدث ما حدث فى الثالث من يوليو 2103 ,وعاد حديث منع المحجبات من الظهور يطل برأسه من جديد, فهل ستعود المذيعات إلى أروقة المحاكم ؟ أم أنه لاوجود للقانون ولاللدستور ولاللحريات مثلما كان قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير والتى كانت سببا لعودة المذيعات المحجبات على الشاشة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق