السؤال : أرجو ألقاء الضوء على مفهوم الحرية في الإسلام .
الجواب :
خلق الله الخلق أحرارا , وأنعم عليهم بالإرادة والقدرة على الاختيار , وعفا عنهم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه مما قد يقدح في حريتهم واختيارهم
وقد تفنن الاشرار من بني البشر في استرقاق بعضهم , وادعى بعض ملوكهم وقادتهم انهم يستحقون أن يصيروا احرارا بين رقيق يستعبدونهم
وبحث الناس عن الحرية بحثا طويلا , فلم يجدوا حرية تامة إلا في ظل عبودية الله سبحانه وتعالى , إذ هي عبودية الأحرار بحق
والإسلام عندما يتحدث عن عبودية المسلم لربه يتحدث عن عبودية بغير نفع للمعبود , فهو غني سبحانه لايحتاج من عبيده نفعا ولا عونا , لذلك قال سبحانه " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون , ماأريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون , إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "
كذلك فهو نوع من العبودية , يعمل فيها المرء لمصلحته في الدنيا والآخرة , بل ويعينه ربه على ذلك , ففي الدنيا يتحرر من كل عبودية تقهر ذاته أو تاسر نفسه , ويجعل نفسه حرا كعبد لربه فيصلح الدنيا أجمعها بشتى أنواع الإصلاح والصلاح , وفي الآخرة يتحرر تحررا خالدا لا نهاية له
وانكر الله سبحانه على أهل الكتاب ان استعبد بعضهم بعضا فقال سبحانه : قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ " سورة آل عمران64
واوضح الصحابة رضي الله عنهم في أكثر من مقولة لهم ما فهموه من معنى الحرية , فقال عمر رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، وقال علي رضي الله عنه: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً" , وقال ربعي ابن عامر رضي الله عنه لقائد الفرس " ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة "
والحرية في الإسلام تمنع الإنسان حتى من عبودية ذاته وشهواته , فتحرره من شهواته وهواه إذا تسلطا عليه , كما تحرره من عبودية كل مخلوق مثله لايملك له نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا .
كما تحرره من أن يكون ذليلا تابعا من أجل المال او الغنى أو المنفعة , فيقول صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار "
والحرية في الإسلام , تتعدى ما يعبرون عنه بقولهم " أنت حر مالم تضر غيرك " , بل إن الإسلام ههنا لحرصه على المؤمنين والصالحين , يمنعهم حتى من ضرر أنفسهم , فيحرم عليهم أن تكون حريتهم إضرارا لغيرهم أو لأنفسهم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " لاضرر ولا ضرار " ومعناه لاضرر بالنفس ولا بالغير
فأنكر الإسلام إذن مفهوم الحرية المطلقة , التي ليس لها رادع من مبدأ أو شرع , وجعلها حرية مقيدة بقانون إلهي لاياتيه الباطل ابدا ولا يتطرق إليه النقص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق