07-03-1435 05:48
موقع المثقف الجديد - سليمان الخراشي هناك نوعٌ من الأفكار الخيالية لا يوجد إلا في الأذهان فقط ، ولا يوجد على أرض الواقع إلا مقيّدًا . أما الواقع ؛ فهو مشاهَد لا يحتاج لدليل ، حيث الحروب والصراعات عن اليمين والشمال ؛ منذ بدأت مجتمعات البشر إلى يومنا هذا . وأما السنن الكونية ؛ فلأن تلك الفكرة تنافي طبيعة البشر التي خلقهم الله عليها ؛ من الظلم والجهل ، والاختلاف .. التي ستقود حتمًا إلى الصراعات والنزاعات ، مهما حاول البعض تجنبها : ( ولا يزالون يقاتلونكم ) .. ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) .. وأما السنن الشرعية ؛ فلأن الله تعالى بحكمته أراد للبشر أن يختبرهم ، فمن أطاعه وسار على شرعه وهُداه ، لزمه أن يعادي من حآده وشآقه وتنكب صراطه المستقيم ، قال تعالى : ( لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) ، لهذا سيبقى الناس في مراغمة . وقل مثل هذا عن فكرة " التسامح " التي هي موضوع المقال ، فإنها لاتوجد مُطلقة بلا قيود إلا في أذهان بعض الحالمين ممن يرددها متغافلًا عن أنه لا بد لها على أرض الواقع من القيود التي تُقيدها . ولو طالب إنسان بالتسامح بلا قيود لضحك منه الناس وعدوه سفيهًا حالمًا . تخيل لو أن إنسانا طالب بالتهاون مع القتلة والمجرمين ، واقترح عدم القصاص منهم أو عقوبتهم بدعوى التسامح ؟ ما ذا سيقول الناس عنه ؟ وقل مثله عن المعلم الذي يُطالب بأن يُتغاضى عن أهل الغش أو الفساد من الطلاب في المدارس . وقل مثله .. وقل مثله .. لهذا : تجد من اشتهر بالدعوة إلى فكرة التسامح في الغرب أعقل من بعض أصحابنا المستنيرين المروجين للتسامح ؛ لأنه لا بد أن يُقيد تسامحه بقيد من القيود ، ولا يجعله مرسلاً . مثاله : قول الشاعر " ملتون " أحد أنصار فكرة التسامح : ( إذا كان المؤمنون لا يُمكنهم أن يكونوا بروحٍ واحدة ، فلا شك أن الأسلم والأحوط والأقرب إلى المسيحية التسامح مع الأغلبية أولى من إكراه الجميع ، ولا أقصد التسامح مع الكاثوليك – أنصار البابا والخزعبلات المفضوحة ؛ ذلك لأنهم يريدون القضاء على السلطات الدينية والمدنية ، لهذا يجب القضاء عليهم ) ! وعلى غراره فعل " جون أوون " ، فإنه مع مطالبته بالتسامح استثنى من ذلك الكاثوليك بل والأنجليكان ، وطالب بمعاقبة – كما يقول - ( مَن يُعكرون السلام العام ) ! إلا أنه استثنى من هذا التسامح - كما يقول - : ( تلك الفرق أو المذاهب الدينية التي تدين بالولاء لأمير أجنبي ) ! ولما كان الكاثوليك يدينون بالولاء للبابا ولملك فرنسا فإن لوك يرفض التسامح معهم ! ويُطالب أيضًا بعدم التسامح مع ( الملحدين ؛ لأنه لا أمان لمن لا يؤمن بالله ) ! مما اضطر الدكتور عبدالرحمن بدوي إلى أن يقول في مقدمة رسالة لوك : ( إن التسامح الذي يدعو إليه لوك تسامحٌ قاصر ) ! والصواب أن فهم الدكتور عبدالرحمن بدوي للتسامح هو القاصر ؛ لأنه يُطالب بها بلا قيود ، بخلاف العقلاء . بعد هذا : إذا كان التسامح لا بُد من تقييده بالضوابط والقيود ، فهل الأولى في نظر العقلاء الموفقين أن يُقيد بأهواء البشر وآرائهم وأمزجتهم ؛ كما فعل الأستاذ محمد المحمود – هداه الله – في مقاله " مفهوم التسامح " حيث قيّده بالتسامح الليبرالي ! أو الأولى أن يُقيد التسامح بقيود رب البشر سبحانه وتعالى التي بينها في شرعه الحكيم ، وهو القائل : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ؟ لا شك أن هذا أولى وأتقى . فهل يعيه دعاة " التسامح " المرسل لدينا ؟! ومثلهم : دعاة التسامح المقيّد بعقول البشر ؟! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق