26-06-1434 12:02
محمد بن عيسى الكنعان: حظيت (الليبرالية) خلال السنوات العشرة الأخيرة باهتمام الوسط الثقافي السعودي ، فكانت محور أحاديثه الصحافية ومادة نقاشاته الفكرية حتى انعكس ذلك على الفرد العادي ، الذي راح يستذكر أيام حوارات (الحداثة) ومعارك (العلمانية) بين التيارات الفكرية في المجتمع السعودي خلال الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي ، غير أن الفكرة الليبرالية وفدت في ظروف أفضل جعلها لا تصطدم بالممانعة الاجتماعية بشكل مباشر لأنها بقيت على طاولة النقاشات الإعلامية ، رغم أنها دخلت مع (السلفية) ولازالت في ثنائية جدلية على خريطة المعارك الفكرية كما حدث في ثنائية (الحداثة والصحوة) ، إلا أن هناك عوامل ساعدت الليبراليين على أن يجعلوا (الفكرة الليبرالية) في إطار العرض والدراسة والنقاش فلا تسحقها يد الرفض الاجتماعي أو تبعدها رياح الإقصاء الفكري ، بمعنى أن تأخذ فرصتها في تبيان حقيقتها أو على الأقل أن تقدم مفهومها وفق ما يريده أدعياؤها . أهم هذه العوامل هي قضية (الإرهاب) ، الذي انطلق من ثقافة دينية تحت أهداف سياسية ، ما جعل التيار الديني ينشغل في تبرئة موقفه (الوطني) وتجلية مبادئه (الإسلامية) الصحيحة المغايرة عن هذا الفكر الضال ، الذي يُسيء لعظمة الدين ويهدد وحدة الوطن ويدمر مباهج الحياة ، فكان المجال متاحاً للفكرة الليبرالية أن تتحرك بانسيابية بين فئات الناس وتكشف عن قيمها الإنسانية ونظرتها الإيجابية للحياة ، خاصة ً أنها تتمحور حول (تحقيق الحرية) وتعزيز (استقلال الفرد) بعيداً عن الوصاية مهما كانت دوافعها وتبريراتها ، فضلا ً عن إطلاق (ملكات العقل) ليسأل ويبحث عن إجاباته ، من خلال العلم الطبيعي والمعرفة الإنسانية والتجربة العالمية. أما ثاني تلك العوامل فكانت (ثورة المعلومات) التي تدفقت على الإنسان السعودي المتعطش للمعرفة عبر وسائط التقنية الحديثة ، سواء ً إعلامية كالقنوات الفضائية أو إلكترونية كمواقع (الإنترنت) من منتديات ومدونات ، أو لاحقاً مواقع التواصل الاجتماعي ، فلم يعد هذا الإنسان يتلقى المعلومات ويتعرف على الثقافات من مصدر ٍواحد أو (مفلتر) ، إنما صار بإمكانه أن يطوف العالم وينبش في أقبية المعرفة وهو مضطجع على سرير غرفته بإحدى القرى النائية التي تعمل بالمولدات الكهربائية البسيطة . مع ذلك لم تصل (الفكرة الليبرالية) واضحةً كاملة ، فلقد تم تزييف حقيقتها حتى شاع اعتقاد مغلوط أنها لا تتعارض مع جوهر الدين ولا تهدد وحدة النظام السياسي ، ويمكن لها أن ُتسهم في نهضة الوطن وصولاً إلى حضارة الأمة عندما يسود النموذج الليبرالي على مجمل مناحي الحياة ، فلقد تم تصوير الليبرالية على أنها (قيم إنسانية) عليا ,متى ما آمنت بها وتعاملت مع الناس من خلالها فأنت (مسلم ليبرالي) تريد الحرية وتنشد العدالة وتقبل الآخر وتنشر التسامح ، وفات على أصحاب هذا التصور المزيف أو النظرة السطحية أن (الليبرالية) منظومة متكاملة لا تتجزأ ، فإما أن تأخذها كلها أو تدعها كلها ، لأنها تبدأ بـ(أساس فلسفي) يتمثل في تحقيق الحرية الفردية ، وترتفع بـ(سقف حضاري) يعتبر العقل مرجعية عليا ، مروراً ببناء فكري يقوم على ثلاثة ركائز : (الفكرة العلمانية ، والنظرية الرأسمالية ، واللعبة الديمقراطية) ، فالفكرة العلمانية تحسم الواقع الاجتماعي لليبرالية ، بتحديد الموقف من الدين على اعتبار أنه محصور في دور العبادة فقط وليس له علاقة بحركة الحياة العامة وتفاصيلها اليومية ، أو العلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة في كل تنوعاتها الإنسانية وتعدد تقاطعاتها التنموية ، والنظرية الرأسمالية تحسم الواقع الاقتصادي لليبرالية ، بتبني كل مبادئ الرأسمالية في الاقتصاد وفلسفة المال ، واللعبة الديمقراطية تحسم الواقع السياسي لليبرالية ، بقبول كل شروط هذه اللعبة بوجود برلمان منتخب ، وتعددية حزبية ، وفصل تام للسلطات ، وانتخابات حرة وغير ذلك . هذه الركائز رابطها (الحرية الفردية) وإطارها المنظم (القانون الوضعي) المحكوم بمرجعية (العقل البشري) ، وعليه فكل من يقول إنه (ليبرالي) ، فهو تلقائياً (علماني رأسمالي ديمقراطي) ، يؤمن بتحرر الإنسان من السلطات الثلاثة (الوصاية الدينية) ، و(الثقافة الاجتماعية) ، و(الدكتاتورية السياسية) على أن تكون المسائل الثلاثة التي أشرت لها ويدور في فلكها من يرى نفسه ليبرالياً بين المثقفين السعوديين هي أشبه بـ(التضليل الفكري) ونقص الأمانة العلمية إذا كان moh.alkanaan555@gmail.com * أو تويتر : @moh_alkanaan |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق