29-02-1435 05:10
موقع المثقف الجديد - محمد الهويمل : الليبرالية السعودية لا زالت غير منافسة كمّاً وكيفاً على الصعيد الشعبي والفكري العام ,وحضورها الحالي جاء نتيجة لاستثمارها موجة العنف التي ألمت بالمشهد ,فكان لا بد لها من استثمار فرصة الإرهاب لتحقيق مكاسب بتفسير هذا الإرهاب بعيداً أو قريباً من الدين. أبرز الليبراليون مفردة (الصحوة) وأحالوها من وصف أو حالة إلى لقب أو محدد لأن ما بين القوسين يكون مؤطراً لغة ومشروعاً ,وتأطير الصحوة أو محاصرتها مطلب ليبرالي لأن التأطير هو التعبير الناعم للتخندق ,إذ الخنادق وتسويق ثقافتها ضرورة للتحجيم وعزل بقية الوطن عن هذه الحفرة الغائرة التي نسميها خندقا. للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كثافة رمزية استثنائية تحيط به وبمشروعه الإصلاحي الذي حقق نجاحاً على الصعيد الاجتماعي متمثلاً في قبول الناس لفتاواه وجيله من العلماء وقوة حضور فتاواه المبيحة والمحرمة صار مشاهداً عينياً ما يفرز من قوة الخيار الديني الذي نسميه بنجاح الإصلاح الديني أو الصحوة. ارتبط مفهوم الصحوة بحالة التدين الشعبي المعززة بجيل شبابي متدين يبلّغ هذه الفتاوى ,فكان وصلة وصل ضرورية لتكريس التدين الذي يتلقى تعاليم كبار العلماء مباشرة من العالم إلى شباب الصحوة الذين ينشرونه بين الناس. إذن اندمج شباب الصحوة في صورة المرجعية الديني حاضنة الفتوى المؤثرة, والتي قلصت من نفوذ معارضي الفتوى كمعيار للحكم على الصواب والخطأ والممكن والممنوع, وحدث أن تراجعت مؤثرات ومنجزات الليبرالية والحداثة أمام المدّ الصحوي الهادر المدعوم من الشيخ ابن باز والعلماء ,وإذ جيل الصحوة والفاعلون فيما لا يتجاوزن أن يكونوا طلبة علم من الطابور الأول أو الثاني متابعين ومتحمسين غير المشاركين داخل الدرس الشرعي. التكامل بين الشيخ وتلاميذه وجيل الصحوة أكد على أن الشيخ صانع ومبلور حقيقي للفعل الصحوي ومصدر لتألقه ,وعزله عن الصحوة فصل سيامي عصّي ومتعذر , بل لم يكن ليخطر على بال أحد من المتبرصين بها ربما لأن التكتيك آنذاك يطرح هكذا معادلات , إذ المواجهة ضد الصحوة كان ضد حالة التدين ومفاعيلها وملهماتها ومرجعياتها , والعزل أشبه بالمستحيل لعدم بروز ثغرات يمكن النفاذ منها. ولكن مع صدور فتاوى تؤيد الاستعانة بالقوات الأجنبية لدحر الغزو العراقي بدت ثغرات بين دعاة وعلماء لم تكن باتساع يسمح باستغلالها, ولكن مع صعود الليبراليين الجدد صعد استفزاز ضد الصحوة سيما بعد وفاة الشيخ رحمه الله ,وبدأ مفهوم الصحوة من خلال الإعلام إلى اتخاذ دلالة أكثر خصوصية من قبل اجتهد الليبرالي في فرض غربة أو تأطير عازل لها عن العلماء والمجتمع , ولكن طبيعة الممارسة العبادية الجماعية عطّلت مشروع العزل وبقي التماسك العلمائي الصحوي الاجتماعي على درجة مقبولة. نشط مشروع عزل الصحوة عن العلماء وابن باز تحديداً بعد 11 سبتمبر , وكان يهدف إلى إضعاف الطرفين فالعالم سينقطع عن قاعدته التي تلبي توجيهاته , الإعلام الليبرالي ماضٍ على نحو حثيث في مشروعه لعزل ابن باز ورمزيته الطهورية التي لا تمس رسمياً ودينياً وشعبياً , لأن مسّه يعطّل الليبرالية ويقوي من علاقة الصحوة بمقام الشيخ وعندها تعود الصحوة وتماسك الحالة الدينية إلى سالف عهدها وهذا ما تتفاداه الليبرالية. الليبرالي خصم لابن باز والعلماء وخصم للصحوة والإخوان , ولكن قاعدة (فرق تسد) تسيطر على تكتيكه لإخضاع الطرفين وإضعافهما , وكل هذا لا يكون إلا بنفاق درامي وسيطرة مطلقة على مفاصل التأثير الإعلامي. سب الصحوة يقصدة به تطاول غير مباشر على فقه الشيخ ابن باز وكبار العلماء , لذا لزم العزل بينهما . |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق