النِّظام هو سرُّ النجاح والإبداع:
إنَّ النظامَ هو السر في نجاح جميع المشاريع والخطط المحكمة، التي يلتزم بها الجميع، ووفق جدول زمني مُعَدٍّ سابقًا، والنِّظام هو التقيد بقوانين ولوائح وقواعد ومبادئ مُحددة، ولو نظرنا إلى الإنسانِ، لوجدناه في الحقيقة مقيدًا بالنِّظام الكوني الذي خلقه الله، والَّذي فيه الأرضُ جزء صغير جدًّا منه، تكاد لا تُذكر إذا قُورِنت بهذا الكون الممتد، إنَّ الإنسان مقيد بالجاذبية الأرضية التي لولاها ما زرع الإنسان وما حصد ما يزرعه، وما استطاع أن يستقر على الأرض، وما عرف معنى البساط، ولولا الجاذبية ما استقر الهواء فوق الأرض لارتفاع 500 كيلو من سطحها، هذا الهواء لو غاب عن الإنسان بضع دقائق، لمات وماتت كلُّ الكائنات التي تعيش على سطح الأرض، إنَّ الإنسانَ مقيد بالشمس التي خلقها الله، ففي النهار تسطع، ولو لم تسطع نهارًا، لتجمدت الحياةُ على سطح الأرض، ومِن ثَمَّ هذا التقيُّد المسمَّى بالليل والنهار: ليل للسكونِ والنَّومِ والهدوء والراحة بعد نشاط النَّهار وكدِّه ونَصَبِه، إنَّ هذا النظام أو التقيد اللاإرادي للإنسان هو في مصلحته.
النوم يسلب الإنسان خياره:
إنَّ النومَ الذي يغلب يقظةَ الإنسان ويقهره هو تقيد لاإرادي، ولو امتنع الإنسان عن النَّوم لعدة أيام، لأصابه الجنون والوهن ثم الموت، فهذا التقيُّد اللاإرادي والمسمى بالنوم وإن كان تقيدًا، إلا أنه في مصلحة الإنسان، ولولاه لهلكت البشرية في بضعة أيام، إنَّ الحرية المطلقة لا وجودَ لها على الإطلاق في هذا الكون، وخاصَّة على وجه الأرض، ولو نظرنا إلى داخل الإنسان، لوجدناه مقيدًا من داخله لا إراديًّا بمجموعة من الوظائف الحيوية.
فإذا عَطَش واحتاج الجسم للماء تراه تلقائيًّا يشعر بالظمأ، ويسعى إلى الماء، ويطلبه ولا يسكُن له جفن حتى يرتوي، ولو كان الإنسان حرًّا، وليس مقيَّدًا ما طلب الماء، ولو سار وَفْقَ هواه، وقال: إني حرٌّ، ولن أطلب الماء عند العطش، لهلك ومات، وعلى هذا فالتقيُّد بطلب الماء عند الحاجة هو تقيد لمصلحة الإنسان، ولا شيء يعيبه أو يَحُطُّ من قدره إنْ هو طلب وسعى إلى الماء.
وكذلك لو شعر الإنسان بالجوع، فلن يستطيع أن ينفك من أسره إلا بالطعام، والهواء أعظم دليل على تقيد الإنسان بنظام هو في مصلحته وأي تهور من الإنسان يفقده حياته، فلو تصورنا أن إنسانًا قال: أنا حرٌّ ولن أتنفس، وأمسك بأنفه وسَدَّ فمه، فما هي إلاَّ بضع دقائق يكون بعدها جُثَّة هامدة أو أن يشعر بخطر الموت، فيرفع يده عن أنفه، ويفتح الطريق للهواء، فتقيد الإنسان بالهواء الذي هو جزء من نظام رباني خلقه الله هو في مصلحة الإنسان.
الإنسان ليس حرًّا مطلقًا:
فالحقيقة أن الإنسانَ ليس حرًّا على الإطلاق؛ لأن الحرية هي غِنًى ذاتي لا يَحْتاج صاحبه شيئًا من أحد، وهذه ليست إلا لله - سبحانه وتعالى - الخالق الذي لا يحتاج لأحد، أمَّا الإنسان عبد مهما علا ونال من الشَّرف والعلم، فهو عبد يحتاج لسيده الذي خلقه، ولو تَمَرَّد على قوانين الله الشرعيَّة لِسَفَهٍ منه إلاَّ أنَّه لا يستطيع التمرُّد على قوانين الله الكونيَّة، فهو يحتاج إلى الهواء والشمس والرياح والزروع، والماء والخامات والمعادن، وكلها ملك لله الذي أوجدها بلا ثمن للإنس والجن.
إنَّ الله خلق كل هذا للإنسان، ولم يطلب منه أي ثمن، غَيْرَ أنْ يشكر الذي أنعم عليه بهذه النعم، والشكر هنا عبادة وذكر ومَحبَّة وعرفان بالجميل، أمَّا الإنسان الذي لم يخلق أي شيء عندما يقوم بأي خدمة يُحدد سعرها، فالماء الذي يأتيك إلى شقتك، وكذلك الكهرباء تدفع ثمنها شهريًّا، وأحيانا يكون مُغاليًا فيها، ولو تأخَّرت في السداد، لقطعوا عنك الماء والكهرباء، ومِن ثَمَّ الإنسان المقيد بقوانين هذا الكون أو هذا النِّظام الكوني لا يكون عبدًا للنِّظام أو للطبيعة، بل هو عبدٌ لله الذي خلق هذا الكون وأبدع هذا النظام.
إنَّ الله يُعلمنا أنْ ننظم حياتنا، ونربطها بنظم وقوانين تكون المنفعة عائدةً على الفرد والمجتمع، ولو مالت الكفَّة إلى أحدهم لاخْتَلَّ الميزان، ولفسدت الحياة، فإذا كانت القوانين للفرد ولرؤوس الأموال فهي الأنانية والطَّمع والجشع، والعودة بالبشرية من جديد إلى زمن العبودية؛ حيثُ صاحب المال هو كل شيء، ومن لا يَمتلك المال، فهو عبد أو منتحر.
وإذا كانت للمجتمع على حسابِ الفرد وتطلُّعاته الخيرة والمبدعة، فهو الكسل والنَّوم والخمول وعدم الإبداع والتفنُّن، ويعلمنا أيضًا أنَّ كلَّ ظاهرٍ موجود ليس كله خير، وإن كان هناك شر، فلا بد من أنْ نبعده أو نبتعد عنه، وإليك هذا المثالَ: إنَّ الأشعة البنفسجية والأشعة الكونية، التي هي عبارة عن إلكترونات ونيوترونات وبروتونات ذات سرعات عالية، هذه الأشعة والجسيمات الدَّقيقة مدمرة للكائن الحي، سواء كان هذا الكائن إنسانًا أو نباتًا أو حيوانًا، أو حتى كائنات حية دقيقة كالبكتريا.
الله - سبحانه وتعالى - صَنَعَ من هواء الكرة الأرضية ومن المغناطيس الهائل للأرض مرشحًا يَمنع دخولَ الجسيمات الدَّقيقة، وكذلك كانت طبقة الأوزون التي هي عبارة عن أكسجين ثلاثي الذَّرات، هذا الأوزون عبارة عن مرشِّح ومُنَقٍّ ومُصفٍّ يَمنع دخول هذه الأشعة إلا بالقدر القليل جدًّا، الذي لا يضر الإنسان، بل ينفعه أحيانًا، ولولا وجود هذه المرشحات، لهلك كل ما على الأرض؛ لهذا لا بُدَّ أن نتعلم أنه ليس كل ما هو موجود على سطح الأرض نافع ومفيد، فالسموم موجودة، ومصلحة الإنسان أن يبتعد عنها، بل يقطع دَابِرَ مصادرها، فالشر موجود منذ أن خلق الله الشيطان - عليه اللعنة - وتَمَرَّد على أمر ربِّه جاعلاً من نفسه حَكَمًا وقاضيًا في أمر الله فرد أمر الله، بل وتطاول بعلمه المحدود على علم الله المطلق الممدود الذي ليس له منتهًى ولا حدود، وللأسف الشديد سارت معظم البشرية على درب هذا الرجيم، فما أن تقول لهم: يقول ربُّكم كذا وكذا في هذا الأمر أو ذاك، إلاَّ وتَمَرد عليك، ورَدَّ كلام الله بكلامٍ من عنده عبارة عن تَهَيُّؤاتٍ ونظريَّات وافتراضيَّات مبنية على الظنِّ، منبعها الأهواء والشهوات التي تبعد الإنسان عن الحق، ولو رآه حقًّا.
الإنسان مرغم أن يتقيَّد بقوانين الله في كونه:
إنَّ الإنسانَ مرغم أن يتقيد بقوانين الله ونظامه في كونه، وإلا هلك ومات موتًا بطيئًا، نعم إنَّ الإفساد الذي حدث للغلاف الجوي للأرض؛ بسبب عَبَث الإنسان بما يسمى التقدُّم الصناعي، لا محالةَ ضرره واقع على الإنسان في المقام الأول، فإنَّ حَرْقَ الفحم والنفط والغاز الطبيعي في المصانع ومحركات السيارات، وفى محطات القوى الكهربائية - يُشوِّه ويدمر النظام الهوائي أو البيئي من حولنا.
إنَّ الأكسجين الذي يُمثل حَوَالَي 20% من حجم الغلاف الجوي لم تصل نسبته إلى هذه النسبة المتوازنة إلاَّ بعد ملايين السنين، حتَّى استطاع النباتُ ومعه الطحالب أنْ يَمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، فيحتفظ بالكربون، ويطلق إلى الهواء الأكسجين اللاَّزم للحياة ولاستمرارها، ثم بفعل العوامل المناخية من رياح وأعاصير وغيره دفنت هذه الأشجار، التي اختزنت الكربون في باطِنِ الأرض في صورة فحم، وتَحْيَا أشجار غيرها، وتَمتص ثاني أكسيد الكربون، وتختزنه وتهبط به بمشيئة الله إلى باطن الأرض، وبعد مرور هذه الدورة المعقدة والمركبة عبر ملايين السنين ظهر الأكسجين في الهواء الجوي، إلى أن وصل إلى هذه النسبة المناسبة التي بها يصبح المناخ معتدلاً، والبيئة صالحة جوادة بالخير.
الإنسان يحرق هذه المحروقات، فيعود بالغلاف الجوي - وبسرعة مذهلة - إلى ما كان عليه من قبل، عندما كانت الأرض تتمتَّع بغلاف جوي كان ثاني أكسيد الكربون هو الغاز الغالب على غازاتها، وكانت الأرض تشبه كوكبَ الزهرة، هذا الكوكب تستحيل عليه الحياة؛ بسبب أنَّ درجة حرارة سطحه لا تقل عن 400 درجة مئوية، والسبب في هذا هو ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في غلاف الزهرة، فزراعة الغابات والأشجار وَحْدَها لا تكفي لكي يعود الجو المعتدل للبيئة الأرضية؛ لأنَّه ما دامت المصانع والمناجم والسيارات، والقطارات والطائرات والسفن تحرق الفحم والنفط، فلا أمَلَ في علاج هذا الخلل البيئي الكارثي، بل لا بُدَّ من زرع الغابات، وفي نفس الوقت التحوُّل من هذا الوقود غير النَّظيف إلى وقود نظيف لا ينتج عنه غازات مُدمرة، ولا أظن أن الطاقة النووية بأقل خَطَرًا من الفحم والنفط على البيئة، ولا بد من أن يقتصر دور النفط والفحم والغاز على صناعة المواد كمادة خام للصناعات المختلفة التي تدخل في تصنيع مئات وآلاف من المنتجات المفيدة والنافعة.
إنَّ الإنسان مرغم أن يتقيد بالنظام البيئي أو الكوني الذي خلقه الله؛ لأن أي خروج على هذا النِّظام - ولو قَيْد أنملة - فيه هلاك ودمار وأمراض للبشرية جمعاء، وإذا كان التقيد بالنظام الكوني الرباني هو في حد ذاته منفعة، وخير للإنسان، فمِن ثَمَّ تقيدنا بشرع الله والالتزام بكتابه الكريم وسنة نبيه، واتِّخاذ الرسول الكريم محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحابته الكرام أسوة وقدوة حسنة هو في مصلحتنا، ولو خالفنا كتابَ الله وسنة نبيه، سيصيبنا الدمار والخراب في الدنيا قبل الآخرة، كما إن تقيَّدنا بالنظام الرباني سننال به السعادة في الدارين، وكما يقول علم الهندسة: بما أن في هذا هلاكًا لو خالفناه - أي: النِّظام الكوني - فإنَّه أيضًا في مخالفة الله ورسوله في أمور التشريع هلاكنا؛ لأن النظامين الكوني والتشريعي لله - سبحانه وتعالى - ثم إنَّ الذي يخرج من الأرض، وينفك عن جاذبِيَّتها، فإنه لا بُدَّ أن يقع بعد وقت قليل في جاذبية قوة أخرى، فالكل مقيَّد في هذا الكون، فمن خرج من عبودية الله، فإنَّه لا بد ولا محالةَ من أنْ يقع تحت تأثير جاذبية عبودية أخرى، فإن كل دعوى وإن نادت بحقوق الإنسان وبالمساواة وبالحرية من دون أن تكون مقيدة ومنضبطة بقوانين الله، فهي دعوة لعبادة نُظُم أخرى، والتقيُّد بقوانين أخرى، وإذا كان الإنسان في كلتا الحالتين لا بد من أن يَقَعَ تحت تأثير نظامٍ ما، أو أن يتقيد بنظام ما، فخير له أن يتقيد بنظام الله التشريعي، خاصَّة أنه لا يستطيعُ فكاكًا من أسر نظام الله الكوني، وفي المقابل يستطيع الإنسان أن ينفك عن نُظُم بشرية إلى أخرى، وإن كانت بشرية، فمن بابِ أَوْلَى أن يكون التقيُّد في ظل نظامٍ واضِعُه عَليمٌ خبير حكيم، ومن قبل فهو الله الخالق الرَّازق.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/7326/#ixzz2w1SPyoGj
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق