مفهوم الحرية بين الإسلام والعلمانية
شيماء نعمان
ربما كانت قضية الحرية من أكثر القضايا المثيرة للجدل سواء على المستوى الفكري أو التطبيقي؛ فتعدد أنواعها وتباين أهدافها واختلاف إشكالياتها جعلت منها مفهومًا يشوبه الغموض إلى حد ما.
ولعل حديثنا هنا يهتم في المرتبة الأولى بمفهوم الحرية وآلياتها من المنظور الإسلامي ومفهومها وآلياتها من المنظور العلماني؛ إلا أننا قبل تقديم ذلك يتعين علينا في البداية فهم معنى العلمانية لانها لازمة لفهم مدلول الحرية الذي يتداوله العالم الآن
ولعل حديثنا هنا يهتم في المرتبة الأولى بمفهوم الحرية وآلياتها من المنظور الإسلامي ومفهومها وآلياتها من المنظور العلماني؛ إلا أننا قبل تقديم ذلك يتعين علينا في البداية فهم معنى العلمانية لانها لازمة لفهم مدلول الحرية الذي يتداوله العالم الآن
إن أصحاب الفكر العلماني الأوائل أرادوا الترويج للعلمانية بربطها اصطلاحًا بالعلم؛ وهو ربط زائف وخادع وكان أحرى بهم لو ربطوا بينها وبين الدنيا أو اللادين؛ فهي أقرب في المعنى من الدنيوية و اللادينية.
فهي ليست إلا دعوة لإقامة الحياة على أساس العقل المجرد والعلم الوضعي ومراعاة المصلحة بعيدًا عن الدين؛ بل هي من تعلن صراحة أنه لا مكان للدين في الشأن السياسي؛ وذلك بالرغم من أن أوروبا التي مهدت لإطلاق مثل تلك المذاهب المنحرفة كانت في ذروة الانبهار من قوة الحضارة الإسلامية التي ترامت أطرافها شرقًا وغربًا وكان أساسها الدين الإسلامي وهيكلها العلم والعمل.
ويمكن تصور أن الحرية من منظور العلمانية- التي تؤكد على حق الإنسان في التحرر من قيود الدين وتعاليمه وتحرم على الحكومات فرضه على شعوبها- ليست إلا حرية التحرر من قيود الالتزام أو ما يمكن تسميته بحرية تهمييش الآخر؛ واعتباره حرًا حتى في إيذاء نفسه ما دام لا يضر بحرية غيره.
وهي بالتأكيد النقيض التام للحرية من المنظور الإسلامي؛ التي تحمي الإنسان من الإضرار حتى بنفسه سواء بالممارسات المحرمة أو حتى بالغذاء المؤذي للجسم مثل لحوم الخنازير وما شابهها من الطعام والشراب المحرم كالخمر والكحوليات.
فالحرية في الإسلام تقوم على أساس التكامل بين المادة والروح في حياة الإنسان وبين عمل الدنيا وحرث الآخرة وبين تحري الآداب والأخلاق والتي هي مفاهيم معنوية قوية وهامة في حياة المسلم المؤمن بكتاب الله والمنتهج لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالحرية في الإسلام تقوم على أساس التكامل بين المادة والروح في حياة الإنسان وبين عمل الدنيا وحرث الآخرة وبين تحري الآداب والأخلاق والتي هي مفاهيم معنوية قوية وهامة في حياة المسلم المؤمن بكتاب الله والمنتهج لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
بين العلمانية والمتأسلمين
لقد ظهرت العلمانية في أوروبا منذ القرن السابع عشر ثم انتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر؛ وكانت من أوائل الأقطار التي دخلت إليها العلمانية مصر وتركيا وإيران ولبنان وسوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر. أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين.
وقد ارتدت العلمانية ثوب التقدم والرقي وحمل مشاعل الحرية بعدما غزت بلاد الإسلام على يد الحملات الاستعمارية ومبشري النصرانية وتلقفتها بعض العقول الضعيفة في الشرق بعدما انخدعت بدعواتها لاحترام الإنسان وتقديس العقل وفصل الدين عن السياسة؛ فظهر العلمانيون الملحدون بل والعلمانيون المتأسلمون ممن يعتقدون في عدم وجود علاقة بين الإيمان بالله وحياة الإنسان!
وقد ارتدت العلمانية ثوب التقدم والرقي وحمل مشاعل الحرية بعدما غزت بلاد الإسلام على يد الحملات الاستعمارية ومبشري النصرانية وتلقفتها بعض العقول الضعيفة في الشرق بعدما انخدعت بدعواتها لاحترام الإنسان وتقديس العقل وفصل الدين عن السياسة؛ فظهر العلمانيون الملحدون بل والعلمانيون المتأسلمون ممن يعتقدون في عدم وجود علاقة بين الإيمان بالله وحياة الإنسان!
ومن المؤسف أن النوع الثاني من العلمانيين هم الأكثر تأثيرًا؛ فهم مسلمون بمعتقدات غربية؛ يؤمنون بوجود الله الخالق ولكنهم يتخيرون وينتقون شروط عبوديتهم له سبحانه وتعالى؛ مشدوهة أبصارهم لكل ما هو على النسق الغربي من أسلوب حياة وتربية وأنظمة ومناهج؛ ليفقدوا حريتهم دون وعي منهم على أعتاب أوروبا متناسيين أن عقيدتهم التي يدينون بها كانت أول من منح الإنسان بجنسيه من ذكر وأنثى حريته كاملة وأن الإسلام جاء ليرفع من كرامة الإنسان ويفضله على كثير من مخلوقات الله ويخلص الكون من أنظمة الرق والعبودية ويمنح الإنسان حرية الفكر والرأي والاعتقاد.
الحرية بين الإسلام والعلمانية
الحقيقة أن الإسلام لا يعترف أبدًا بفكرة الحريات المطلقة، فالحرية لابد من التعامل معها كمسئولية؛ وهذا النوع من الحرية المسئولة هو ما يقبله الإسلام ويتفق معه.
كما أن المنهج الإسلامي طالما أثبت جدارته في بناء الحضارات والأمجاد لأنه ليس معوقًا للعلم أو الاجتهاد العقلي بعكس ما شهدته أوروبا في عصورها الوسطى من تعنت الكنيسة وتجبر كهنتها وفسادهم وظلمهم.
ومن ثم كانت الحرية حقًا مكفولاً لكل مسلم طالما التزم بشريعة الله ومنهج رسوله وأتمر بأوامره واجتنب نواهيه؛ فالإسلام بنيان متكامل فصل الله فيه كل شيء وختم به جميع رسالاته ليكون دينًا للعالمين؛ ومن ثم كان من البديهي ألا يعترف الإسلام بثنائية فصل الدين عن الدولة؛ لأنه لا يوجد ما يجب فصله؛ فلكل منهما شأن وآليات عمل؛ فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى دين الله ويمارس آليات التفاوض والشورى والتخطيط السياسي والدفاعي والاقتصادي ويعلمها لأصحابه؛ فلم يشعروا يومًا بتحجيم حرياتهم ولم يشذوا يومًا عن تعاليم نبيهم وقائدهم صلى الله عليه وسلم.
كما أن المنهج الإسلامي طالما أثبت جدارته في بناء الحضارات والأمجاد لأنه ليس معوقًا للعلم أو الاجتهاد العقلي بعكس ما شهدته أوروبا في عصورها الوسطى من تعنت الكنيسة وتجبر كهنتها وفسادهم وظلمهم.
ومن ثم كانت الحرية حقًا مكفولاً لكل مسلم طالما التزم بشريعة الله ومنهج رسوله وأتمر بأوامره واجتنب نواهيه؛ فالإسلام بنيان متكامل فصل الله فيه كل شيء وختم به جميع رسالاته ليكون دينًا للعالمين؛ ومن ثم كان من البديهي ألا يعترف الإسلام بثنائية فصل الدين عن الدولة؛ لأنه لا يوجد ما يجب فصله؛ فلكل منهما شأن وآليات عمل؛ فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى دين الله ويمارس آليات التفاوض والشورى والتخطيط السياسي والدفاعي والاقتصادي ويعلمها لأصحابه؛ فلم يشعروا يومًا بتحجيم حرياتهم ولم يشذوا يومًا عن تعاليم نبيهم وقائدهم صلى الله عليه وسلم.
إن الحرية في الإسلام كفلت عدم الإجبار على الاعتقاد ولو كان ذلك الاعتقاد هو الاعتقاد في الإسلام , فالقرآن الكريم فصل للعالمين أن مشيئة الإنسان واختياره سيترتب عليها مآله في الآخرة. فيقول تعالى في سورة البقرة: " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"؛ وفي سورة الكهف: " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"، وفي سورة الشورى " فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ"؛ إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تسمو بمفهوم الحرية ولكنها توضح عواقب كل اختيار، فالدين عند الله الإسلام ومن ابتغى غيره لن يقبل منه ويوم القيامة سيلقى كل فريق حسابه بالعدل لا ينقص من حقه شيء.
أما الحرية في العلمانية فتقوم على أساس إلغاء أي صورة من صور التقييد للحريات فيما عدا ما يفرضه القانون الوضعي فلا هوية هناك ولا مرجعية.
فإذا كان القانون الوضعي يسمح بحرية الملبس للرجال والنساء؛ فلا مانع إذن من ارتداء الرجال والنساء ما يشاءون بصرف النظر عن القيم الدينية أو المجتمعية؛ فحرية الفرد من منظورهم مقدمة على جميع الأعراف والتقاليد.
فإذا كان القانون الوضعي يسمح بحرية الملبس للرجال والنساء؛ فلا مانع إذن من ارتداء الرجال والنساء ما يشاءون بصرف النظر عن القيم الدينية أو المجتمعية؛ فحرية الفرد من منظورهم مقدمة على جميع الأعراف والتقاليد.
إن العلمانية تعتبر الإنسان له الحرية المطلقة في فكره ومعتقداته حتى وإن بلغ حد سب الذات الإلهية أو الأنبياء أو الطعن في الكتب السماوية؛ وهو حر في شهواته ما دام لا يتعرض لحريات الآخرين حتى وإن بلغ حد الزنا؛ وهو حر في طعامه وشرابه حتى وإن عاقر الخمر وذهب عقله؛ وهو حر في ملبسه حتى وإن ارتدى ما لا يكاد يستر عورته. وحرية الإعلام مكفولة أيضًا حتى وإن بث ما يطعن في كل الثوابت وينال من العلماء ويشكك في الدين.
ومما سبق يبدو أن أسس الحرية في الجانبين تختلف على نحو تام؛ فبينما لا تعترف الحرية العلمانية إلا بحدود وضوابط القانون الذي وضعه البشر، فإن الحرية في الإسلام تنضبط وفق عنصرين أساسيين وهما: الإيمان والتوحيد وقواعده والتشريع الحق من الله.
ومما سبق يبدو أن أسس الحرية في الجانبين تختلف على نحو تام؛ فبينما لا تعترف الحرية العلمانية إلا بحدود وضوابط القانون الذي وضعه البشر، فإن الحرية في الإسلام تنضبط وفق عنصرين أساسيين وهما: الإيمان والتوحيد وقواعده والتشريع الحق من الله.
نماذج الحرية
إن مبدأ الفصل بين الدين والنظام السياسي والمجتمعي الذي يتشدق به العلمانيون لم يفتأ إلا أن افتضح زيفه على رؤوس الأشهاد؛ فالنماذج كثيرة ومتنوعة.
إن الجاليات الإسلامية في الغرب- على سبيل المثال- تعاني في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية من مضايقات ومحاصرة للحريات؛ ففرنسا العلمانية تضع قيودًا على المسلمين لأنهم أقلية؛ وتفرض الغرامة على النساء المسلمات إذا ارتدين نقابهن في الشوارع، وكذلك في هولندا وبلجيكا وسويسرا؛ ناهيك عن حوادث المضايقات والاعتداء على المساجد التي يشكو منها المسلمون في أمريكا وغيرها من الدول الغربية.
أما في المجتمعات الإسلامية؛ فإن للأقليات حريات شاسعة بداية من حسن معاملتهم وحرية ممارسة شعائرهم وتأمينهم وعدم الجور على حقوقهم أو ظلمهم أو نكث العقود معهم. ولنا في رسولنا أسوة حسنة حين ضرب أسمى آيات التسامح حينما دخل مكة فاتحًا ومنتصرًا بلا غطرسة ولا تكبر
حصار الحرية الحقيقية
إن الجاليات الإسلامية في الغرب- على سبيل المثال- تعاني في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية من مضايقات ومحاصرة للحريات؛ ففرنسا العلمانية تضع قيودًا على المسلمين لأنهم أقلية؛ وتفرض الغرامة على النساء المسلمات إذا ارتدين نقابهن في الشوارع، وكذلك في هولندا وبلجيكا وسويسرا؛ ناهيك عن حوادث المضايقات والاعتداء على المساجد التي يشكو منها المسلمون في أمريكا وغيرها من الدول الغربية.
أما في المجتمعات الإسلامية؛ فإن للأقليات حريات شاسعة بداية من حسن معاملتهم وحرية ممارسة شعائرهم وتأمينهم وعدم الجور على حقوقهم أو ظلمهم أو نكث العقود معهم. ولنا في رسولنا أسوة حسنة حين ضرب أسمى آيات التسامح حينما دخل مكة فاتحًا ومنتصرًا بلا غطرسة ولا تكبر
حصار الحرية الحقيقية
هكذا كانت أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم التي علمها لأصحابه وتابعيه، فكانت أخلاق المسلمين هي آليات الدعوة التي جذبت الأجناس المختلفة من كل صوب وجهة لاعتناق الإسلام؛ ولكن رموز العلمانية وتابعيهم شرقًا وغربًا صبوا جام حقدهم على بنيان الإسلام؛ فطفقوا يقصفونه بسهامهم السامة تارة تحت دعوات الحرية وتارة تحت دعوات تحرير المرأة وغيرها من الدعوات الهدامة؛ حتى صار بعض المسلمين في وقتنا الحاضر يحرص على إخفاء ما يخالف في دينه قول العلمانية أو قول الغرب؛ فأصبح هناك من يتحايل على أحكام الشريعة ومن يميل ميلاً بعيدًا عن أوامر الدين ويقوم بدمجه ببعض الأساليب المبتدعة لتمويهه وتمييعه لاسترضاء الغير؛ متناسيين أن " لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ".
وأنه إذا كان هناك عذر لوجود الفكر العلماني في الغرب، فإنه لا عذر في اعتناقه في ديار الإسلام؛ التي علمها الدين الإسلامي الحرية المسئولة قبل أن يعرفها غيرهم .
وأنه إذا كان هناك عذر لوجود الفكر العلماني في الغرب، فإنه لا عذر في اعتناقه في ديار الإسلام؛ التي علمها الدين الإسلامي الحرية المسئولة قبل أن يعرفها غيرهم .
إن الإسلام في رفضه للعلمانية يسعى للحفاظ على بناء المجتمع الرباني ويخلصه من آفات الفردية والعنصرية والطبقية والمذهبية والحزبية التي تتجسد في العلمانية بكل حرياتها غير المسئولة وزلاتها التي تنقل إلينا أمراض المجتمعات المغايرة لثقافتنا وتمحو هويتنا.
نعم نوافقك بشدة ،، فالحرية الاسلامية التي تتحدث عنها جعلت البلاد العربية في العالم الاول بعكس الحرية العلمانية التي جعلتهم يهاجرون الينا بحثا عن حرياتنا الاسلامية ...
ردحذفللأسف الحرية الحقيقية غير موجودة في أكثر الدول العربية والإسلامية
حذففإسقاطك غير مناسب
وشكرا لمرورك ومتابعتك