لقد دأب دعاة التغريب على مسلك جعلهم يُسقِطون ظروف القرن السابع عشر التي عاشتها فرنسا - ومعها أوروبا - على واقعنا الحالي، فنجد لهم مقارنات ضمنية في كتاباتهم بين العلماء والدعاة والمؤسسات الدينية وبين رجال الكنيسة ومؤسساتها الدينية في مرحلة الثورة. وهذا الإسقاط الظالم هو خديعة كبرى يتم (حبكها) لأجل تعبيد الطريق أمام العلمانية، ولا أدري هل بقي الشعار محترماً محفوظاً أم تغير (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس)، فنجد لهم كلاماً يصور واقع العلماء وعمل المؤسسات الدينية عموماً كما لو أنه الواقع نفسه الذي عاشته فرنسا مع رهبانها ورجال الكنيسة قبل الثورة.
بل إن المتتبع لهذا الفكر يجد فيه توظيفاً للمصطلحات الفلسفية نفسها على واقعنا (رجال الدين - اللاهوت - صكوك الغفران - التشدد - مناقضة الفتاوى للعلم المادي - مصادرة الحرية...)؛ ما يعطي إيحاءات ضمنية ترسم صورة طبق الأصل عن واقع الرهبان في أوروبا وهيمنتهم وظلمهم في القرن السابع عشر، وسواء كان هذا مقصوداً أم من تسويل الشيطان فإنه جناية على الأمة والتاريخ وتزوير للحقائق على أرض الواقع.
إن من يقرأ أفكارهم وله اطلاع على خلفيات نشأة العلمانية ليجد تشابهاً ضمنياً لواقع الحال مبثوثاً في المصطلحات والتحليل معاً.
وهذه المنهجية المتبعة في هذا الفكر هي شكل من أشكال الترويج للمسلك العلماني، ولا يختلف اثنان ممن لهم اطلاع (الرجل المثقف العادي) على المفاهيم ودلالاتها في أن تعريف العلمانية - في أحسن حالاته - هو: (فصل الدين عن الدولة)! وهذا هو الثابت في كل القواميس والمعاجم المصطلحية، وواقع حال العلمانيين سواءً كانوا دولاً في سياساتها وحكمها، ومؤسسات في توجهاتها وأفراداً في كتاباتهم.. ولا يحتاج هذا إلى مزيد تفصيل، ما يعني أن من يقول إن العلمانية هي (مجرد دعوة إلى الحد من تأثير المؤسسات الدينية في الحياة السياسية والعامة) هو قول لا يستحق النقاش ولا حتى الالتفات كما لو قال قائل: إن النار هي الماء.
والسؤال الصحيح والصريح الذي يطرح نفسه:هل تقبل العلمانية التقسيم والتجزئة بحيث تكتفي برفع هيمنة الشريعة عن السلوك والأخلاق ويبقى الحال على أصله الشرعي في الأنظمة والقضاء والتشريع، أم أن قوانين العلمانية لا ولن تقف عند هذا الحد، بل يجب أن تتعداه إلى...؟سؤال مهم جداً، فما هي حدود العلمانية التي تشق طريقها في بعض مجتمعات المسلمين، هل ستبقى في القاعدة أو لا ترضى بغير القمة ولو بعد حين؟
فالخلاف الذي نقرؤه حول تحديد مفهوم العلمانية ومدى إقصائها للدين هو خلاف صوري وليد حالة الإحباط الذي منيت به العلمانية نفسها فلم يكن أمام بعض العلمانيين إلا إعادة صياغة المفاهيم العلمانية صياغة تراعي معطيات وأحوال العالم الإسلامي، ومن صور تلك الصياغة: تجزيء العلمانية وأسلمتها.
وليس من الحكمة مجاراة هؤلاء على صياغاتهم التي لا تنتهي.. بل المنطق والحكمة يدعوان إلى حجاج هؤلاء على ما هم عليه متفقون جميعاً فيما يخص المبادئ الأساسية للعلمانية، فمهما بلغ الأفق الجدلي حول العلمانية في ترجمة لفظها أو تحديد دقيق لمدلولها أو تحليل لمفردات تعريفها فإن ما يتفق عليه جميع المنظرين والمفكرين الغربيين والشرقيين أن للعلمانية في جميع حالاتها مفهوم حد أدنى يتفق عليه الجميع ولا ينكره منهم أحد، وهذا المفهوم الأدنى هو أضعف الإيمان العلماني وليس وراءه حبة خردل من إيمان بالعلمانية.
نعم إن العلمانية قد خضعت لسلسلة من التطورات التاريخية على مستوى المدلول، لكن ذلك لم يغير من حدها الأدنى شيئاً فيبقى مفهوم فصل الدين عن الدولة غايتها الأساس في كل مراحلها، وتبقى العلمانية قالباً تنظيمياً لكل أشكال الكفر والإلحاد؛ فهي تستوعب الماركسية والوجودية مثلاً، وتبقى سداً أمام تدخل الدين في تنظيم الدولة والمجتمع مهما كانت طبيعة هذا الدين.. ويبقى الامتحان لمن يكذب هذا - وأتمنى أن يكون صادقاً - هل سنجد نقداً صريحاً للعلمانية في واقعها أو تاريخها أم أن الجواب في أسلمتها وتسويقها؟
بل إن المتتبع لهذا الفكر يجد فيه توظيفاً للمصطلحات الفلسفية نفسها على واقعنا (رجال الدين - اللاهوت - صكوك الغفران - التشدد - مناقضة الفتاوى للعلم المادي - مصادرة الحرية...)؛ ما يعطي إيحاءات ضمنية ترسم صورة طبق الأصل عن واقع الرهبان في أوروبا وهيمنتهم وظلمهم في القرن السابع عشر، وسواء كان هذا مقصوداً أم من تسويل الشيطان فإنه جناية على الأمة والتاريخ وتزوير للحقائق على أرض الواقع.
إن من يقرأ أفكارهم وله اطلاع على خلفيات نشأة العلمانية ليجد تشابهاً ضمنياً لواقع الحال مبثوثاً في المصطلحات والتحليل معاً.
وهذه المنهجية المتبعة في هذا الفكر هي شكل من أشكال الترويج للمسلك العلماني، ولا يختلف اثنان ممن لهم اطلاع (الرجل المثقف العادي) على المفاهيم ودلالاتها في أن تعريف العلمانية - في أحسن حالاته - هو: (فصل الدين عن الدولة)! وهذا هو الثابت في كل القواميس والمعاجم المصطلحية، وواقع حال العلمانيين سواءً كانوا دولاً في سياساتها وحكمها، ومؤسسات في توجهاتها وأفراداً في كتاباتهم.. ولا يحتاج هذا إلى مزيد تفصيل، ما يعني أن من يقول إن العلمانية هي (مجرد دعوة إلى الحد من تأثير المؤسسات الدينية في الحياة السياسية والعامة) هو قول لا يستحق النقاش ولا حتى الالتفات كما لو قال قائل: إن النار هي الماء.
والسؤال الصحيح والصريح الذي يطرح نفسه:هل تقبل العلمانية التقسيم والتجزئة بحيث تكتفي برفع هيمنة الشريعة عن السلوك والأخلاق ويبقى الحال على أصله الشرعي في الأنظمة والقضاء والتشريع، أم أن قوانين العلمانية لا ولن تقف عند هذا الحد، بل يجب أن تتعداه إلى...؟سؤال مهم جداً، فما هي حدود العلمانية التي تشق طريقها في بعض مجتمعات المسلمين، هل ستبقى في القاعدة أو لا ترضى بغير القمة ولو بعد حين؟
فالخلاف الذي نقرؤه حول تحديد مفهوم العلمانية ومدى إقصائها للدين هو خلاف صوري وليد حالة الإحباط الذي منيت به العلمانية نفسها فلم يكن أمام بعض العلمانيين إلا إعادة صياغة المفاهيم العلمانية صياغة تراعي معطيات وأحوال العالم الإسلامي، ومن صور تلك الصياغة: تجزيء العلمانية وأسلمتها.
وليس من الحكمة مجاراة هؤلاء على صياغاتهم التي لا تنتهي.. بل المنطق والحكمة يدعوان إلى حجاج هؤلاء على ما هم عليه متفقون جميعاً فيما يخص المبادئ الأساسية للعلمانية، فمهما بلغ الأفق الجدلي حول العلمانية في ترجمة لفظها أو تحديد دقيق لمدلولها أو تحليل لمفردات تعريفها فإن ما يتفق عليه جميع المنظرين والمفكرين الغربيين والشرقيين أن للعلمانية في جميع حالاتها مفهوم حد أدنى يتفق عليه الجميع ولا ينكره منهم أحد، وهذا المفهوم الأدنى هو أضعف الإيمان العلماني وليس وراءه حبة خردل من إيمان بالعلمانية.
نعم إن العلمانية قد خضعت لسلسلة من التطورات التاريخية على مستوى المدلول، لكن ذلك لم يغير من حدها الأدنى شيئاً فيبقى مفهوم فصل الدين عن الدولة غايتها الأساس في كل مراحلها، وتبقى العلمانية قالباً تنظيمياً لكل أشكال الكفر والإلحاد؛ فهي تستوعب الماركسية والوجودية مثلاً، وتبقى سداً أمام تدخل الدين في تنظيم الدولة والمجتمع مهما كانت طبيعة هذا الدين.. ويبقى الامتحان لمن يكذب هذا - وأتمنى أن يكون صادقاً - هل سنجد نقداً صريحاً للعلمانية في واقعها أو تاريخها أم أن الجواب في أسلمتها وتسويقها؟
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/3770/#ixzz2vqz3e2NU
الحديث عن علمانية تصحح المسار والعلاقة بين المؤسسات الدينية والدولة والمجتمع دون فصل الدين نفسه عن تنظيم شؤون الدولة والمجتمع لهو قول من التفاهة والجهل في غاية النهاية.. ليس لأنه مرفوض من حيث دلالته ولكن لأنه كلام بعيد كل البعد عن الموضوعية في تقرير المفاهيم، فلا توجد علمانية هذا وصفها وشكلها وإنما ما قد يدفع أحداً لتبني هذا الطرح هو خجله من طرح العلمانية كما هي، ويقينه بإفلاسه إذا ما طرحها دون تحريف لمعناها المستهجن في المجتمع ما يجعله يستخفي من طرحها كما هي {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}
إننا لا نتحدث من فراغ فثمة حالة ظاهرة في واقعنا المعاصر تجلي بوضوح صيرورة الأحداث، ففي هذا المجتمع معطيات اجتماعية وسياسية وتاريخية مشتركة تمثّل أدوات ومفاتيح للتحليل السياسي واستشراف المستقبل من خلال قياس تطورات الأحداث.
جاء في مؤتمر العلمانيين في لبنان: العلمانية الشاملة هي:1 - عدم هيمنة الدين على الدولة وعدم هيمنة الدولة على الدين.2 - عدم تدخل الدولة في الحياة الدينية الشخصية والجماعية.
3 - عدم تدخل الدين في تنظيم المجتمع والدولة.4 - استقلالية العالم بجميع مكوّناته وأبعاده وقيمه تجاه مكوّنات الدين وأبعاده وقيمه.
ومن هذا المنطلق الأساس نسأل كل مسلم يرضى لنفسه (مخدوعًا) الدعوة إلى التغريب أو المساهمة في إقصاء الدين عن الحياة - وهو مسلم -: هل أنت ممن يدعون إلى فصل الدين عن الدولة؟ أي هل أنت ممن يدعون إلى فصل الإسلام عن الدولة؟(لأن الدين عند الله الإسلام) وأنه لا علمانية لمن لا يقول بهذا، وهو في العلمانية أضعف الإيمان؟. فإن كنت كذلك فأنت على خطر عظيم ومدعو إلى مراجعة نفسك وإسلامك فإنه لا يجحد شرع الله ويدعو إلى إقصاء تحكيمه في الحكم والمجتمع إلا كافر به. وإن لم تكن كذلك فأنت بريء من العلمانية وهي منك براء. فلماذا الجلبة في معسكر القوم؟
إن المتتبع للمسلك العلماني يجد (خطوات) ممنهجة في عرض الرؤى والأفكار ذات الجوهر العلماني، فكلها تطرح تحت قناع (الإصلاح) لكن نظرة في المكونات الفكرية ودلالالتها تظهر أنها لا تخلو من أبعاد (إيديولوجية) تخدم بالتحديد الفكر العلماني، وسواء كان المتحمسون للعلمانية على وعي تام بالأبعاد العلمانية لما يسطرون أم لا، فإن المستفيد الوحيد من كتاباتهم هم أعداؤهم الذين لا يألونهم خبالاً ولا يتمنون لهم نصراً ولا عزاً، فهم بطرحهم يمهدون الطريق ويؤسسون البناء ويؤطّرون المجتمع في إطار الإيديولوجية العلمانية شعروا بذلك أم لم يشعروا!!
وهذا نقوله إفراطاً في حسن الظن، وإن اختباراً سهلاً في طلب نقد العلمانية من أي وجه من الوجوه كفيل برؤية عدد من الأقلام تنكسر أمام الحرم المهيب والمداد يجف أمام هيبة الموقف خلافاً لما يجري في الجرأة على رموز الملة وقواعد الشريعة. فليس من الصدفة أن تجد فكراً يصب في الدعوة إلى فك مقومات الارتباط بين الدولة والدين من جهة.. وبين المجتمع والدين من جهة أخرى.. إنك ستتساءل يقيناً ما بال هذا الرجل من هذا ديدنه في كل مقال ومقام!! ماذا يريد؟! وما هو هدفه حين تتضمن مقالاته:- الطعن والغمز في المرجعية الدينية.- الدعوة إلى تحجيم دور المؤسسسات الدينية، هيئة كبار العلماء وغيرها.- الدعوة إلى فك الارتباط (التاريخي) بين العلماء والدولة.
- الدعوة لإضعاف الجوهر الديني على المستوى التعليمي والتربوي بحجة مكافحة التطرف.- الدعوة إلى تحجيم المناشط الأخلاقية والاجتماعية.- الدعوة إلى توسيع دوائر التفلت الأخلاقي والطعن الدؤوب في الحسبة والمحتسبين.
أليست هذه الدعوات تصب كلها في تحقيق الحلم العلماني: فصل الدين عن الدولة؟!
إننا لا نتحدث من فراغ فثمة حالة ظاهرة في واقعنا المعاصر تجلي بوضوح صيرورة الأحداث، ففي هذا المجتمع معطيات اجتماعية وسياسية وتاريخية مشتركة تمثّل أدوات ومفاتيح للتحليل السياسي واستشراف المستقبل من خلال قياس تطورات الأحداث.
جاء في مؤتمر العلمانيين في لبنان: العلمانية الشاملة هي:1 - عدم هيمنة الدين على الدولة وعدم هيمنة الدولة على الدين.2 - عدم تدخل الدولة في الحياة الدينية الشخصية والجماعية.
3 - عدم تدخل الدين في تنظيم المجتمع والدولة.4 - استقلالية العالم بجميع مكوّناته وأبعاده وقيمه تجاه مكوّنات الدين وأبعاده وقيمه.
ومن هذا المنطلق الأساس نسأل كل مسلم يرضى لنفسه (مخدوعًا) الدعوة إلى التغريب أو المساهمة في إقصاء الدين عن الحياة - وهو مسلم -: هل أنت ممن يدعون إلى فصل الدين عن الدولة؟ أي هل أنت ممن يدعون إلى فصل الإسلام عن الدولة؟(لأن الدين عند الله الإسلام) وأنه لا علمانية لمن لا يقول بهذا، وهو في العلمانية أضعف الإيمان؟. فإن كنت كذلك فأنت على خطر عظيم ومدعو إلى مراجعة نفسك وإسلامك فإنه لا يجحد شرع الله ويدعو إلى إقصاء تحكيمه في الحكم والمجتمع إلا كافر به. وإن لم تكن كذلك فأنت بريء من العلمانية وهي منك براء. فلماذا الجلبة في معسكر القوم؟
إن المتتبع للمسلك العلماني يجد (خطوات) ممنهجة في عرض الرؤى والأفكار ذات الجوهر العلماني، فكلها تطرح تحت قناع (الإصلاح) لكن نظرة في المكونات الفكرية ودلالالتها تظهر أنها لا تخلو من أبعاد (إيديولوجية) تخدم بالتحديد الفكر العلماني، وسواء كان المتحمسون للعلمانية على وعي تام بالأبعاد العلمانية لما يسطرون أم لا، فإن المستفيد الوحيد من كتاباتهم هم أعداؤهم الذين لا يألونهم خبالاً ولا يتمنون لهم نصراً ولا عزاً، فهم بطرحهم يمهدون الطريق ويؤسسون البناء ويؤطّرون المجتمع في إطار الإيديولوجية العلمانية شعروا بذلك أم لم يشعروا!!
وهذا نقوله إفراطاً في حسن الظن، وإن اختباراً سهلاً في طلب نقد العلمانية من أي وجه من الوجوه كفيل برؤية عدد من الأقلام تنكسر أمام الحرم المهيب والمداد يجف أمام هيبة الموقف خلافاً لما يجري في الجرأة على رموز الملة وقواعد الشريعة. فليس من الصدفة أن تجد فكراً يصب في الدعوة إلى فك مقومات الارتباط بين الدولة والدين من جهة.. وبين المجتمع والدين من جهة أخرى.. إنك ستتساءل يقيناً ما بال هذا الرجل من هذا ديدنه في كل مقال ومقام!! ماذا يريد؟! وما هو هدفه حين تتضمن مقالاته:- الطعن والغمز في المرجعية الدينية.- الدعوة إلى تحجيم دور المؤسسسات الدينية، هيئة كبار العلماء وغيرها.- الدعوة إلى فك الارتباط (التاريخي) بين العلماء والدولة.
- الدعوة لإضعاف الجوهر الديني على المستوى التعليمي والتربوي بحجة مكافحة التطرف.- الدعوة إلى تحجيم المناشط الأخلاقية والاجتماعية.- الدعوة إلى توسيع دوائر التفلت الأخلاقي والطعن الدؤوب في الحسبة والمحتسبين.
أليست هذه الدعوات تصب كلها في تحقيق الحلم العلماني: فصل الدين عن الدولة؟!
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/3820/#ixzz2vqzARcvL
الواقع العملي المُعاش في البلاد العلمانية يؤكد أن مفهوم فصل الدين عن الدولة من الناحية العملية مفهوم أوسع مما نتصور؛ فالعلمانية هي دعوة شمولية لفصل الدين بكل قيمه عن حياة الناس العامة والخاصة، وإذا ما كانت هناك حرية ترجى فهي حرية مؤطرة في دائرة هذا الفصل.
العلمانية - على التفسير المعاصر للدولة بما هي عليه اليوم - تتجاوز مسألة كونها مرجعية منزوعة الدين، يتحاكم إليها المجتمع، إلى كونها نظامًا شاملاً يقصي الدين من الحياة!!
من الغريب فعلاً أن نجد لمَنْ لا يرون بأسًا في التلميح أو التصريح بعلمانيَّتهم تفسيرات مغلوطة عن العلمانية نفسها، فَهُم لتبرير تلك الدعوات - تحت ضغط الواقع - يعطون للعلمانية تفسيرًا خاصًّا بهم، مضمونه أن لا تناقض بينها وبين الدِّين، وأن غاية ما تدعو إليه هو الحدُّ من تأثير المؤسسات الدينية في تنظيم شؤون الدولة والمجتمع.
ولعل تفسيرهم (غير المسبوق) هذا، جعل تركيزهم منصبًّا على كل ما يرمز للدين في المجتمع، إنهم يهدفون إلى الحدِّ من تأثير المؤسسات الدينية على الدولة والمجتمع.
فهل هذا هو معنى العلمانية حقًّا؟! وهل في أدبيات الفلاسفة والمفكرين والمنظرين إشارة إلى هذه العلمانية المجزأة قديمًا أو حديثًا!! أم أن هذا اختلاق يحيدون به عن الحقيقة؟.
إن حقيقة الأمر: أن الدعوة إلى هذه العلمانية المجزَّأة ما هي إلا جهل أو (تكتيك) في اتجاه إيجاد بيئة مجتمعية وسياسية ملائمة، تقبل دون اعتراض بالعلمانية الكاملة الشاملة، التي لا تقبل الوقوف عند الأخلاق والقيم الدينية؛ بل تتعداه - لا محالة - إلى ما هو أبعد من الأنظمة والسلطات، كما جرت بذلك العادة في البلدان التي تدرَّجت في استيعاب هذه التحولات خطوة بعد خطوة.
ولهذا نجد علماء الاجتماع في الغرب يقيسون انتصار العلمانية بتدنِّي نسبة المتديِّنين في واقع حياة الناس، وكل ما يمثِّل الدين في المجتمع ويرمز له، وليس فقط بمدى توافق القوانين والنظم للفصل بين الدين والدولة.
كما نجد بعض أنصاف المثقفين في الشرق ممَّن أُشربوا في قلوبهم عِجْلها بجهلهم، يحذون حذوهم شبرًا بشبر؛ فيستبشرون بانحصار كل ما يرمز للالتزام بالدين، بدايةً بسلوك الأفراد، ومرورًا بنشاطات المؤسسات الدينية، وانتهاءً بالمستوى التشريعي والسياسي! بل يخوضون حرب إشاعات إعلامية للترويج لذلك الانحصار بكل طرق الكذب والتدليس، وها هي مقالاتهم وأغاليطهم عن المرجعية الدينية وحركة التصحيح بكل وسائلها وأدواتها ومجالاتها وميادينها - شاهدةً ناطقةً بهذا الحال، وكأنَّ نجاح دعوتهم العلمانية هي بتحقيق ذلك الانحصار الديني على مستوى حياة الناس الخاصَّة.
لكن ما يؤكده الواقع، ويحاول الاتجاه العلماني المنبوذ تجاهله - أن العلمانية لم تجد لها في ديار المسلمين مكانًا؛ فعامة الدول العربية العلمانية تعيش بقوانينها العلمانية في وادٍ، بينما المجتمع المسلم في وادٍ آخر؛ لأنه لا يعترف إلا بشرع الله دينًا وحكمًا، وها هي صناديق الاقتراع كلما فُتح أمام الشعوب مجالٌ لانتخاباتٍ حرَّةٍ تشهد بهذا الأمر، حتى أصبح الغرب يخاف من إجراء انتخابات حرَّة نزيهة في بلدان المسلمين؛ لأنه يدرك مسبَّقًا أن النتيجة محسومة لصالح كل مَنْ يتبنَّى تحكيم الشريعة. أليس هذا ما رأيناه في بلاد شتى؟!!.
فحتى بتطبيق مفهومها الشامل، وسيطرة مفهوم فصل الدين عن الدولة، وعن جزءٍ كبيرٍ من حياة الناس الخاصة - لم تستطع العلمانية أن تجد لها موطئ قدمٍ آمنٍ ترسخ فيها جذورها؛ فإذا نظرنا إلى العلمانية التركية التي فَصَلَت الدين عن كل مؤسسات الدولة فصلاً تامًّا، وأثارت إعجاب الغرب بذلك - نجد أن أحلام تلك المؤسسات (المنزوعة الدين) لم تتحقَّق!! فالمؤسسات التركية بأحلامها في وادٍ والمجتمع التركي المسلم المتديِّن في وادٍ آخر.. وهذا هو قمة الإفلاس العلماني، الذي أكَّدته صناديق الاقتراع على مدى سنين، كما يؤكِّده المَخَاض السياسي والاجتماعي التركي اليوم، والذي يشهد ولادة واقعٍ إسلاميٍّ جديد؛ أقضَّ مضاجع العسكر واللوبي العلماني ومَن وراءه.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/3861/#ixzz2vqzP5prj
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق