تأمَّلتُ حالَ كثيرٍ من أصحاب الدَّعوات والناشِطين، فرأيتُ جميعَهم يدَّعي الإصلاحَ، وربما الصَّلاح، قلَّبتُ صَفحات التاريخ؛ علِّي أجد ما يُخالِف هذه القاعِدة التي تتجذَّر في نفسي يومًا بعد يوم، فوجَدتُ ما يزيدها تجذُّرًا، سمعتُ وشاهَدتُ دعاوَى الغاشِمين الظالِمين، فإذا هي الإصلاح، وقَرَأتُ أخبارَ السياسيِّين والانقلابيِّين فكانت حجَّتهم الإصلاح، ورأيتُ أهل البِدَع والشِّرك والخُرافات، فإذا هم يدَّعون الإصلاح، وربما الصَّلاح، جوَّلتُ بصري وعقلي في حاضِري وفي غابِر سلفي وقرَأتُ التاريخ، فإذا الإمام الأكبَر للفساد والإفساد يُقاسم على أنَّه من الناصحين؛ ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 21].
قرَأتُ وقرَأتُ فإذا خَلَفه على أثرِه يَسِيرون، وبه يقتَدُون، وببُوقِه ينعِقون؛ فهذا تلميذُه فرعون يقول عن موسى الكَلِيم: ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26]، ويقول: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29].
وهكذا أصبَح الإصلاح جِلبابًا للمُفسِدين الأشرار يرتَدُونه ليُدلِّسوا به على البُسَطاء ودَهماء الناس، حتى إنَّ ما ظهَر على الساحة الفكريَّة والسياسيَّة مؤخَّرًا من ادِّعاء التكفيريِّين إرادةَ إصلاح الشُّعوب، بقَتْل أطفالهم ونسائهم، وتكفير قادَتهم وعُلَمائهم، وسلب أموالهم وزعزعة أمنهم واستِقرارهم، باتَ واضِحًا للعيان لا يستَطِيع عاقلٌ مُنصِف المِراءَ فيه.
ومن العجَب في زَمان العجَب ادِّعاء أبناء العَلمَنة والتَّغريب، ودُعاة الضَّلالة والتغيير لحُبِّ الإصلاح للوطَن والمُواطِن، والسعي للرُّقيِّ بهما؛ حتى يلحق الابن بأبيه والدَّعي بأمِّه، فإلى متى التَّغرير والتقعير؟! وسِيَرُ سلَفِكم واضِحَة المَعلَم والخريطة، وأنتم على آثارهم مُقتَدون؟! كفى ادِّعاء إصلاح، وكفَى زورًا وبهتانًا.
إنَّ النِّفاق لا يُقبل أبدًا في ثوبه الحقيقي، فكان لا بُدَّ لهم من دَعوَى الإصلاح؛ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11].
فمَن لي بِمُفسِدٍ يَخرُج في ثوبه الأصلي وشكله وهندامه، فيَدعو بدعوته ويهتف بمقصده؟!
ومَن لي بصاحب بدعة يعتَرِف ببدعته؟ أو صاحب ضلالة يَسِمُها باسمها وينعَتُها بما فيها؟ مَن لي بِمُنافِقٍ يُظهِر كفرَه ويَنحاز في صفِّ حزبِه ويُعلِن ولاءَه إلى شيطانه؛ ﴿ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة: 14].
إنَّ مشروع العَلمَنة معلوم المَنشَأ والهدف، ولا يُمكِن له الفشو والاستِقرار إلاَّ على أنقاض الدِّين الإسلامي وزَحزَحة كلِّ قِيَم العفَّة والفضيلة وطمس هويَّة الحاكميَّة لله ربِّ العالمين، ونزع آخِر عصب إحساس للدَّعوة والدُّعاة والإصلاح، وإبقاء المسلم جسدًا خامدًا خارج دائرة التأثير وخط البِناء والنَّماء.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/27621/#ixzz2w7TtNXy1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق