الديمقراطية هِبَةٌ من السماء للمثقفين المظليين، وللحلاَّق المبتدئ، يتعلَّم فنون الحلاقة بالتجريب على رؤوس الشعب المساكين، وإذا كان النظام القمعي الشمولي الدكتاتوري يخنق المثقَّف، فإنَّه ليس بأفضل حالاً في النظام الديمقراطي إلى حدٍّ ما، ولكن ليس تمامًا.
نقَل هيكل في كتابه "خريف الغضب" عبارة من رواية يوسف القعيد "شكاوى المصري الفصيح":
"وقد وصفَ أحدُ المثقَّفين في مصر جماعات المستفيدين من سياسة الانفتاح الاقتصادي، بأنَّها "طبقة المظليين"، وكان رأْيه أنَّ المظليين عادةً يَنْقَضُّون من السماء على المواقع؛ ليحتلوها أو ليدمروها، وكان قول هذا المثقَّف: إنَّ فكرة هؤلاء المثقفين عن الدولة أنَّها مجرَّد جهاز لتأمين نوم الأغنياء ضد أَرَقِ الفقراء"؛ يوسف القعيد: عبدالناصر والمثقفون والثقافة، دار الشروق، ص17.
أليس من حقِّ المثقف أنْ ينتمي إلى حزبٍ ما؟ أليس من حقِّه أنْ يُمارس حياته دون ضغوط؟ هل المثقف ملكية عمومية لأطياف الشعب كافة؟
هل للـ FBI دورٌ في وصول همنغواي إلى الجنون؟ بماذا تستفيد الــ FBI من جنون أو انتحار همنغواي؟ لماذا يأمر البيت الأبيض بمراقبة همنغواي؟ هذا الأمريكي المخلص، والذي اشتركَ في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الأهليَّة الإسبانية، هذا الأمريكي الذي نالَ جائزة نوبل 1954، وعَمِل على جعْل البطل الأمريكي أسطورة تتحمَّل المصاعب، لماذا كانوا يراقبونه حتى أوصلوه إلى الجنون؟ إذا كانت الديمقراطية هي حكم الأغلبية، فهل هناك ضمانات ضد طُغيان الأغلبيَّة وظُلمها للمواطن أو للشعب أو الأقليَّات؟
"عندما اعندما شتكى همنغواي لأصدقائه من أنَّه كان تحت مراقبة الـ FBI، كانوا يتصوَّرون أنَّهُ يتوهَّم ذلك، وعندما أفرج عن الملف الخاص به في منتصف الثمانينيَّات 113 صفحة، كان ذلك تأكيدًا على أنَّ شكوكَه كانتْ في محلها، على مدى أكثر من رُبع القرن كان رجال هوفر FBI يتتبعونه؛ ويتجسَّسون عليه ويُزعجونه، وقبل انتحاره بوقتٍ قصير، ذهَب همنغواي ليُجري فحْصًا طبِّيًّا في إحدى العيادات في "مينسوتا"، وطلب أنْ يُسَجَّل باسمٍ آخرَ، فقامَ أحدُ الأطباء النفسيين بالاتصال بالـ FBI؛ ليسأل عن إمكانيَّة فعْل ذلك"؛ فرانسيس ستونر سوندرز، الحرب الثقافية الباردة، ترجمة طلعت الشايب، المشروع القومي للترجمة، ط3، 2003 - القاهرة، ص 222.
في أواخر حياته انتقَل للعيْش في منزلٍ متواضِع في كوبا، فهل كان انتقاله فرارًا من المراقبة؟ هل كان جاسوسًا؟ لماذا لَم يطلب اللجوء السياسي، وكان حريًّا أنْ ينالَه في أيَّة دولة أخرى؟ اعترفَ همنغواي بأنَّ الصدمات الكهربائية أساءتْ إلى حالته النفسيَّة، وأفْقَدته ذاكِرته، وجعلته أكثر حُزنًا وكآبة، وبعد كلِّ هذه الدلائل والقرائن، لماذا لَم يُشَكِّك كاتبٌ واحد في حالة الانتحار؟ أليس من الوارد أنْ يكون قد قُتِلَ بطريقةٍ مُلَفَّقة؛ كي تشير إلى انتحاره؟
إذا كانت الدولة الديمقراطية الأولى في العالَم تعامل أديبًا عالَميًّا شهيرًا رفيعًا - بمستوى همنغواي - هذه المعاملة السيِّئة، فكيف بها مع الأدباء المغمورين؟ وكيف ستكون معاملة الدول حديثة العهْد بالديمقراطية؟
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/29485/#ixzz2w88VFluq
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق