شبهات حول السلف والسلفية
إن السلفيين يسيرون فقط على المذهب الحنبلي المتشدد
علمنا أن المنهج السلفي يثار الغبار عليه بين الحين والحين من ناحية خصومه ومخالفيه، ولعلنا وقفنا على بعض منها في المقالات السابقة، وما ذلك منهم إلا أنه تنفير للناس من متابعته، وإلا جهل بحقيقته ومنهجه.
ومن هذه الأمور قولهم:
أن السلفيين لا يسيرون إلا على مذهب واحد ألا وهو المذهب الحنبلي - المتشدد - في نظرهم، ولا يهتمون ببقية المذاهب الإسلامية أو الفقهية الأخرى، خصوصاً في أبواب التيسير على الناس.
وهذه الشبهة أوهى من خيط العنكبوت، لماذا..؟ لأنه يخالف واقع المنهج السلفي والسني على طول التاريخ الإسلامي، لأننا إذا تأملنا في نشأة الفقه الإسلامي كمذاهب فقهية، فإننا سنقف أول ما نقف على مدرسة الإمام مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهم، وكذلك الإمام الشافعي محمد بن إدريس وأحمد بن حنبل، وإذا كان الناس يقولون أن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل فإننا نقول إن أول من لقب بمثل هذا الإمام الشافعي رحمهم الله جميعاً.
وهؤلاء الأئمة جميعاً وغيرهم كادوا أن يتفقوا على مثل هذا القول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، أو إذا خالف قولي الحديث الصحيح فاضربوا بقولي عرض الحائط، وكل هؤلاء الأئمة وغيرهم من أهل السنة والسلف الصالح ليسوا من أهل التقليد، ولا من أهل الأهواء والبدع كذلك، ولكنهم حقيقة الأمر أمروا أتباعهم بعدم التقليد، وأمروا بالعلم بالدليل الذي أخذوا به قبل الاستدلال بقول فلان أو فلان من أهل العلم.
فهذا الشافعي رحمه الله فيما نقل عنه في كتابه الأم أنه نهى أن يأخذ بقوله إلا بعد العلم بدليله الذي قال به قوله هذا، وهذا مثال آخر الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كان مدرسة فقهية بذاته، مع انتسابه للمذهب الحنبلي فقهاً واجتهاداً، لكنه بلغ رتبة الاجتهاد والبحث والاستدلال، فلم يقف بهذا عند حدود مذهبه الفقهي لكنه اجتهد وقعد وأصل، وهذب ونقح، وزاد وأفاض، حتى أنه كانت له اجتهادات مخالفة في بعض المسائل وهي قليلة جداً بالنسبة لسعة علمه وتأصيله، وهذا وارد فلا عصمة لأحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقد عادت تأصيلات المنهج السلفي فيمن بعده إلى اليوم، بفضل الله تعالى، ثم إلى هذا الرجل الأصولى، والذي حرص على إحياء معالم الشريعة الإسلامية فيما استطاع من جهد وعلم واجتهاد صحيح، وكانت له اليد الطولى في ذلك.
وبالتأمل إلى منهج السلف والسلفية، نعلم فضل هذا الرجل في تجديد الإسلام بصفائه وشموله، وما من آخذ اليوم إلا وقال قال ابن تيمية، سواء كان على منهج السلف أو على خلافه، وهذا لإنصاف الرجل، وأنه صاحبه الكلمة المسموعة، والاجتهاد الواسع، والفهم الدقيق، والتأصيل العميق، وكذلك صار على منهجه تلميذه النجيب شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية عليه رحمة الله تعالى. وقد سبق معنا الإشارة في جملتنا – المنهج السلفي منهج تجديدي لا تقليدي – نعم، منهج يأنف التقليد بلا علم أو فقه أو بصيرة، من دليل من كتاب الله وسنة صحيحة عن رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع لا خلاف فيه.
فالمنهج السلفي ليس كما يقال عنه أنه على مذهب واحد، هذا في الأصل خلاف منهج السلف أنفسهم كما بينت الآن، بل إن هذا المنهج يرفض التقليد بلا علم أو استدلال صحيح، كما أنه يقوم على الاتباع الصحيح، وهذا الاتباع يعني الدليل أولا من كتاب الله تعالى، ثم الصحيح من السنة النبوية، ثم الإجماع، ثم ما وافق الحق من دليل آخر أو قياس صحيح.
وأتباع المنهج السلفي فيهم المالكي المذهب، والحنفي والشافعي والحنبلي وغير ذلك مما صح إلى السلف الصالح، فليس بصحيح أن يقال أن السلفيين هم أتباع المذهب الحنبلي، فهذه مغالطة مكشوفة، وقلة بضاعة في العلم معروفة.
والقائلون بمثل هذا الكلام يحتاجون حقيقة الأمر إلى تعمق واسع، ودراسة متأنية، واطلاع صحيح على تاريخ المذاهب الإسلامية أعني الفقهية، وعلى تاريخ السلف أو المنهج السلفي من جانب آخر، وإلا فإن هذا مخالف لكل هذا التحقيق الصحيح الواضح.
ثم إن رمي مذهب الإمام أحمد - الحنبلي - بالتشدد هذا كذلك قول غير صحيح، وخلاف مذهب أهل السنة أولاً، ثم هو خلاف مذهب الإمام نفسه، لأن الإمام أحمد من المحدثين الكبار، ويكفينا بياناً وتصديقاً لمثل هذا كتابه الكبير المسند، فهذا الكتاب يدل على سعة علمه، وكمال استدلاله بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة، ثم الإجماع، ثم قول الصحابي عنده وغير ذلك.
فهل إذا اختار الإمام قولاً أو احتج في مسألة ومعه فيها دليل من كتاب الله وسنة رسوله يسمى هذا تشدداً، بل القائل بمثل هذا وقع في تخبط وجهل بحقيقة بناء الأحكام الشرعية وطرق الاستدلال بها على الوجه الصحيح.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/52358/#ixzz2w71SqyS3
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق