شبهات حول السلف والسلفية
السلفية ومنهجها.. عفى عليها الزمان[1]
وهذا المنهج السلفي يثار الغبار عليه بين الحين والحين من ناحية خصومه ومخالفيه، ولعلنا وقفنا على بعض منها في كلامنا آنفًا، وما ذلك منهم إلا أنه تنفير للناس من متابعته، وإلا جهل بحقيقته ومنهجه، وإلا حب للمخالفة التي تشبه التميز عما سواه، وإلا متابعة للأهواء والنفوس فيما تميل إليه عن متابعة الحق مع وضوحه وكماله، وإلا حبائل الشيطان من التفرق والتحزب المقيت الذي يجعل صاحبه على شفا جرف هار، مما يأتي عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة".
وحقيقة الأمر أن الذين ناصبوا العداء لمنهج السلف ومتابعته، أقاموا شبهاتهم حوله من مبادئ غير صحيحة ولا حتى مستقيمة، فضلًا عن أن تكون مبادئ علمية موثقة، حيث أنهم في كل موطن يعرضون به أحيانًا همزًا وغمزًا ولمزًا، ويصرحون به أحيانًا أخرى كثيرة ومتفاوته.
ومن أمثلة ذلك إيرادهم لعدد من الشبهات الواهية حول تصور المنهج السلفي وطبيعته، وهل يصلح أن يكون منهجًا للتمكين أم لا؟ ويمكن الإشارة السريعة إلى بعضها أو أهمها فيما يلي:
الشبهة الأولى: قولهم: أن السلفية ومنهجها ليست منهج حياة ملزم للأمة اليوم بعد أربعة عشر قرنًا من الزمان، وأنها ما كانت إلا حقبة تاريخية مباركة بزعمهم وعفى عليها الزمان، ولا ريب أن هذا نوع من العبث اللغوي والشرعي أيضًا، لأن هذا التعريف للسلفية تعريف يحتويه نوع من العور والتخبط.
حيث أن قواعد اللغة وإن كانت معلومة في هذا، إلا أنها تقضي أن كل متابعة لمن سلف في أي وقت أو أي زمان، سواء كان المتابع على حق أم على باطل، تقضي تسمية ذلك سلفًا من باب قول الله تعالى عن الكافرين:﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ﴾ [الزخرف: 56]، وسلف الرجل سابقته على الطريق، أما من حيث المتابعة الشرعية للسلفية، فهي لم تكن كمصطلح بهذا الاسم موجودة في بداية أمر الإسلام، لأنه لم تكن هناك في الأصل حاجة إليه تمامًا كمصطلح أهل السنة والجماعة.
لأن الأمة كانت مجتمعة على الحق، ومتابعة للكتاب والسنة، فلا فرق ولا جماعات ولا أحزاب ولا تجمعات، أما من حيث مضمونها الشرعي فهي موجودة منذ أول صفحة في تاريخ الإسلام المشرق.
ولكن مع خروج عدد من الفرق والمذاهب المخالفة لمنهج وفهم الصحابة للكتاب والسنة، وخروج فرق كالخوارج والشيعة والقدرية والمعتزلة والمرجئة والصوفية وغيرها، استلزم هذا وجود تسمية مميزة لأهل الحق المتابعين لمنهج الصحابة وفهمهم، تمييزًا لهم دون من سواهم من أهل الباطل والبدع والأهواء، فسموا بأهل السنة والجماعة، وسموا بأهل الحديث والأثر، وسموا بالفرقة الناجية، والطائفة المنصورة.
ثم ما كان من غلبة التفرق والجماعات اليوم، فسموا بالسلف أو السلفية لكونهم على طريق منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم إن تعريف كل مصطلح لا يعرف حقيقة الأمر إلا من جهة أهله، فهم من وضعوه، وصاغوا له تعريفًا وتصورًا يبينه، فلا عبرة إذًا بتعريفات غير أهله الذين لا حظ لهم إلا السماع عنه، والدوران حوله، وأهل مكة أدرى بشعابها.
فالسلفية عند أهلها تعني كما ذكرنا: "الاتجاه المقدم للنصوص الشرعية على البدائل الأخرى منهجًا وموضوعًا الملتزم بهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهدي أصحابه علمًا وعملًا، المطرح للمناهج المخالفة لهذا الهدي في العقيدة والعبادة والتشريع"[2].
ولقد تابعت كثيرًا ممن كتبوا عن السلفية والمنهج السلفي، فوجدتهم حقيقة من المتخبطين في فهم ماهية السلف والسلفية، حتى جعلوها سلفيات كثيرة ومناهج متعددة حتى الفرق النارية تدخل عندهم تحت هذا المصطلح التعريفي عندهم، حتى ألف الدكتور محمد عمارة كتابه السلفية في مثل ذلك، وليت شعري لو وقفوا على أهله لأراحوهم من وهم التعريفات والمصطلحات، التي بدا لنا مع تباعد الأيام عوارها وتخبطها ونقصها. وحقيقة مذهب هؤلاء أنهم متحكمون في نصوص الوحيين، لا متحاكمون إليهما، ولو تحاكموا إليها تجردًا منهم للحق، لعلموا طريق الحق والمتابعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق