بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الحمد لله الذي رفَع لنا في كلِّ ثَغْر علَمًا، وأجرى لنا في جوار كلِّ بَحر ما يُضاهيه كَرمًا، وجعل في هذه الأمة من المسلمين إلى اليوم مَن يَزِيد النَّاسَ عِلمًا، ويَمحو من الظلمات ظلمًا.
أما بعد:
ففي خضمِّ هذه الحياة المادية الصعبة يجب أن نَمتحن أنفسنا ونسألَها: هل نَحن أحرار؟
قد يُسارع البعض بالإجابة: نعَم، نَحن أحرار!
لكن.. مَن الْحُر؟
الحرُّ هو من لم يكن عبدًا، الحرُّ هو من لَم يكن أسيرًا، الحر هو من يستطيع أن يَسعى لِحَقِّه ومصلحته المشروعة، دون أن يَحُول بينه وبينها ثَمَّة حائلٌ؛ طالَما أن سعيه نحو استيفاء حقِّه ليس فيه عدوان على حقِّ الغير ومصلحتِه المَشروعة.
هذه حقيقة الحرية، فهل نحن أحرار؟
إذا كنَّا لا نستطيع أن نُسير بعض أمورنا، وإذا كنَّا لا نؤمن بِحَقِّنا، ولا نستطيع أن نَنْزِع اليأس والخنوع من قلوبنا، وإذا كنا لا نستطيع أن نتحمَّل بعض الأذى الذي تحمَّلَه سلَفُنا من الصَّحابة وغيرهم.
وإذا كانت السُّلطة والمال والعلاقات المحرَّمة هي مطلب كثيرٍ منَّا، وإذا كان التمَلُّق والنفاق هُما وسيلةَ كثيرٍ منَّا في الحصول على مآربِهم الشخصية، وإذا كنا لا نستطيع أن نعلوَ بأنفسنا فوق شهواتنا ورغباتنا الدنيئة.
وإذا كان الخير فينا قد صدأ، وغطَّتْه رطوبةُ البُعد عن الحقِّ، وسطَا عليه غُبار الرذيلة.
وإذا كنا لا نستطيع أن نَهجر الضَّعف والعطالة، والإهمال والسَّرَف، والصغائر والسَّفاسف، ووَضْعَ الأشياء في غير مواضعها، وإذا كنَّا لا نستطيع أن نَهجر الأنانية والكذب والرِّياء، مِمَّا أراد نبِيُّنا أن يطهِّر منه نفوسَنا، وإذا كنَّا لا نستطيع أن نَكُفَّ الشرَّ عن بعضنا البعض، أو نَمسَّ كرامة بعضنا البعض.
فأنَّى.. فأنَّى لنا الحرية؟!
تُرى ما مَصايِرُ الناس الذين استودعونا حقوقَهم؟
تُرى إلى أين يؤول الوطن الذي استخلفَنا الله إقامة العدل فيه؟
إذا كنا نرغب في أن ننال حرِّياتِنا وبعضَ حقوقنا، وينال الناسُ معنا حرِّياتِهم وحقوقَهم، فلا بد مِن أداء واجباتنا، كلٌّ فيما استخلفه الله من سُلطة.
ولا سبيل لنا - ولا سبيل للنَّاس معنا - لننال حُرِّيتنا وبعض حقوقنا إلاَّ بالتماس مرضـاة الله وحْدَه في عملنا وحياتنا.
والله لا يرضى أن نلوِّث طهارتنا بالسُّلطة والمال والعلاقات المحرَّمة.
الله لا يرضى أن نحطَّ من كرامتنا، أو نحط من مَنْزلة وظيفتِنا باللَّهث لإرضاء بعضنا، فضلاً عن غيرنا.
الله لا يَرضى أن نشغل مداركنا وعقولنا بِلَغو القول أو الفلسفة الَّتِي لا طائل وراءها.
الله لا يرضى أن نَتهاون مع الباغي أو الظَّالِم، أو نتهاون في الحكم بالحقِّ والشَّرع والعدل.
هذه هي الوَحْدة التي ارْتَضاها الله لنا وأوصانا تعالى بِها، ولا وَحْدة ولا اتِّفاق بيننا إلاَّ إذا تعاهَدْنا عليها.
ولْيَعلم كلٌّ مِنَّا أن المرء قليلٌ بنفسه، كثيرٌ بإخوانه، وكلَّما كان في خضمِّ هذه الحياة الصعبة أكثر إخوانًا، كان بذلك أقوى على نَيْل حُرِّيته وحفظ كرامته وتحقيق أمنيَّتِه.
فلعلَّنا نثوب يومًا إلى رشدنا، ولعلَّ قلوبنا تَمتلئ حُبًّا ونورًا، ولعلَّنا ننضوي تحت لواء جادٍّ صادقٍ، عاملٍ دؤوبٍ مُخلص!
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/29835/#ixzz2w1jN1uLx
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق