منهج المدرسة السياسية في الإصلاح المعاصر
لمحات من مناهج الإصلاح المعاصرة وأثر العلماء في توجيهها وتقويمها (10)
إذا كانت المدارس السابقة ونحوها تتَّجِه في إصلاحها نحو الأمة بأفرادها وشؤونها الاجتماعية[1]، فإن هذه المدرسة قد تختلف من حيث النظرة نحو الإصلاح، فهي ترى أن إصلاح الجانب السياسي للأمة (أو الانطلاق من القمة) هو السبيل الأمثل - على حد قول أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه -: "إن الله يزع بالسلطان، ما لا يَزع بالقرآن".
من هنا بذلت هذه المدرسة جهودًا ضخمة في سبيل الوصول إلى هذا الهدف، الذي يُحقِّق آمال الأمة وتَطلُّعاتها، كما ترى هي: ولعل من أبرز النماذج لهذه المدرسة:
1- حزب التحرير.
2- حزب السلامة بتركيا (حزب الرفاه حاليًّا).
(1) فأما حزب التحرير:
فقد أسَّسه في الأردن الأستاذ/ تقي الدين النبهاني الفلسطيني (1909 - 1979م)، وذلك عام 1952م.
وبعد وفاة المؤسِّس تولَّى رئاسةَ الحزب الأستاذ عبدالقديم زلوم، وهذا الحزب سياسي تقوم دعوته على وجوب إعادة الخلافة معتمدًا الفكر أداة رئيسة في التغيير.
وبالتأمل في هذا الحزب تبرز الأمور الآتية:
1- أهداف الحزب:
أ- استئناف الحياة الإسلامية.
ب- حمل الدعوة الإسلامية.
جـ- إعادة بناء المجتمع على أسس جديدة، وعلى وَفق الدستورِ الذي وضعه الحزب.
2- يرى الحزب أن الوسيلةَ إلى الوصول إلى تلك الأهداف هي:
تسلّم الحكم عن طريق الأمة، إما عن طريق المجالس البرلمانية أو غيرها.
3- ويرى أن التغيير يسير في ثلاث مراحل:
أ- الصراع الفكري.
ب- الانقلاب الفكري.
جـ- الوصول إلى الحكم.
4- يتبنَّى الحزب آراء عقديَّة غريبة مثل:
• عدم اعتقاد عذاب القبر.
• وعدم ظهور المسيح الدجال.
• عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكونه يعوق العمل المرحلي الآن.
5- كما يتبنَّى آراء فقهيَّة غريبة أيضًا مثل:
• إباحة النظر إلى الصور العارية.
• إباحة تقبيل المرأة الأجنبية.
• سقوط الصلاة عن رجل الفضاء المسلم.
• جواز عضوية الكافر لمجلس الشورى[2].
(2) وأما حزب السلامة (الرفاه حاليًّا) بتركيا:
فقد أسَّسه الأستاذ نجم الدين أربكان المولود سنة 1926م، والذي تخرَّج في كلية الهندسة في إستنبول سنة 1948م، ثم حصل على الدكتوراه من ألمانيا 1953م، وعرف عنه في أوربا اهتمامه بالصلاة وعمل المشروعات الخيريَّة.
وهذا الحزب يعمل على إعادة بناء الحياة وصياغتها من جديد على أساس مبادئ الإسلام، وقد اختار الطريق السياسي وسيلة لتحقيق أهدافه، واضعًا كل طاقاته للوقوف أمام التيار العلماني المسيطر على تركيا.
أما أهدافه، فهي:
1- السلام والأمن في الداخل.
2- امتزاج الأمة بالدولة.
3- النهضة الأخلاقية.
4- النهضة المادية.
وللحزب عناية كبيرة بالمجال العلمي والاجتماعي، كما أنه لا يرى العنف وسيلة إلى تحقيق الهدف[3].
تقويم المدرسة السياسية وأثر العلماء في توجيهها:
لا شك أن السياسة من الدين، وأنه لا سياسة إلا بدين، والدين يشمل كل ما جاء من عند الله، سواء فيما يتعلَّق بالقلب أو بالجوارح، وسواء العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات كلها، وتلك حقيقة مسلَّمة، بل هي من ضروريات الدين المعروفة.
ولعل هذا ما جعل هذه المدرسة تُعنى بالجانب السياسي وتهتم به، كما سبق البيان عن هذه المدرسة، غير أننا لو عدنا إلى معاييرنا السابقة في التمهيد، ثم الأنموذج الأمثل للمنهج الدعوي المذكور هناك أيضًا، لأدركنا بدون عناء الثغرات والملاحظات على هذه المدرسة.
فهي تجعل السياسة شغلها الشاغل، وهدفها الذي تسعى إليه، وفي هذا من السلبيات والمخاطر بقدر ما فيه من الإيجابيات والأمن، بل أكثر.
والذي يهم هنا أمران:
أ- مدى موافقة ذلك للمنهج النبوي (الأنموذج).
ب- مدى ما يتحقَّق من المصالح العامة للأمة.
ومن هنا ربما اختلفت المواقف والأحكام على مِثل هذه الطروحات، ففي الوقت الذي يُلام عليها حزب أو جماعة ويؤاخَذ بها، ربما كانت جماعة في مكان آخر غير ملومة ولا مؤاخذة؛ إذ المسألة - بسبب دقتِها - خاضعة لظروف كل بلد، وبحسب طبيعة الطرح السياسي وأسلوبه.
وإذًا، فليست الملاحظة على هذه المدرسة اهتمامها بالجانب السياسي، فإن ذلك جزء من رسالة المسلم كما سبقت الإشارة؛ ولكن الملاحظة والمؤاخذة تكمن في:
1- جعل السياسة هدفًا في ذاتها.
2- إشغال الأتباع بالسياسة على حساب الجوانب الأساسية.
3- عدم التربية على العقيدة والسلوك والأخلاق.
أما إذا توافرتِ الأسس، وتكامَلت تأسيسات البناء الفردي والجماعي، فعندئذٍ من حق هؤلاء، بل من واجبهم إصلاح غيرهم إصلاحًا عامًّا بقدر الطاقة.
وقد يكون من الوسائل الإصلاحية، هنا: الدخول في ميدان السياسة، بحسب الظروف المحيطة، والأساليب المناسبة.
ولا ضير ولا عَتب ألبتَّة عندئذٍ؛ ففي صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة[4].
وأخيرًا، فإنني أذكِّر بما قيل ووجِّه من نصائح نحو المدرسة التربوية، فإن هذه المدرسة (السياسية) أولى بتلك النصائح.
ولا سيما أن الحزب يُدرِك طبيعة موقعه في البلاد الإسلامية، وأنه غير مرغوب فيه؛ بل غير مُعترِف به من لدن الأنظمة السياسية الحاكمة؛ مما يجعله مطاردًا ومُعرَّضًا للخطر في كل الأحوال.
[1] لا تفوت الإشارة إلى أن نذكِّر بما قلناه سابقًا، من أن هذا التصنيف جاء بالنظر إلى الأمر الغالب، وإلا فكثير من المدارس السابقة لها اشتغال واهتمام بالسياسة كبيران.
[2] يراجع: الموسوعة الميسرة (ص: 135) فما بعدها، والموسوعة الحركية (2: 187) فما بعدها، والطريق إلى جماعة المسلمين ص 281 فما بعدها.
[3] يراجع: الموسوعة الحركية (2: 207)، والموسوعة الميسرة (ص: 265)، والمعالم الرئيسة للأسس التاريخية والفكرية لحركة السلامة في تركيا. د. محمد حرب، بحث مقدَّم لندوة اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر المعقودة في البحرين 3 - 6/ 6/ 1405هـ، ويُدرِك القارئ المتابع للأوضاع التركية الراهنة أن هؤلاء الإسلاميين نشطوا، وأدركوا كثيرًا من طموحاتهم منذ مطلع القرن الحادي والعشرين الميلادي، والله يُسدِّدهم ويُلهِمهم الصواب.
[4] قارن بما كتبه الأستاذ عبدالغني رحال في كتابه "الإسلاميون وسراب الديمقراطية".
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Web/triqi/0/58126/#ixzz2w2GurpkW
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق