الاثنين، 23 أكتوبر 2023

كتب السلف حكمة وبقاء

 

كتب السلف حكمة وبقاء

 

يقول الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى :

(كنا عند الابتداء بالاشتغال بعلم الكلام نرى في الكتب خلاف الحنابلة فنحسب أنهم قوم جمدوا على ظواهر النقول، ما فهموها حق فهمها، ولا عرفوا حقائق العلوم وطابقوا بين النقل وبينها، وأن كتب الأشاعرة هي وحدها منبع الدين وطريق اليقين، ثم اطلعنا على كتب القوم؛ فإذا هي الكتب التي تُجلِّي للمسلمين طريقة السلف المثلى، وتورد الناس موردهم الأحلى، وإذا بقارئها يشعر ببشاشة الإيمان، ويحس بسريان برد الإيقان؛ وإذا الفرق بينها وبين كتب الأشاعرة كالفرق بين من يمشي على الصراط السوي، ومن يسبح في بحر لجي، تتدافعه أمواج الشكوك الفلسفية، وتتجاذبه تيارات المباحث النظرية.

 وقد ظهر لي إذ تبينت أن مذهب السلف الصالح أسلم وأعلم وأحكم أن هذا من دلائل صدق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم؛ لأن المسلمين بعد أن نظروا في فلسفة الحكماء الإلهيين، وخاضوا في جميع علوم الأولين، لم يأتوا بشيء في توثيق عقد الإيمان، ولا بالوصول إلى الحق بالبرهان، إلا بدون ما جاء به القرآن، ولو كان هذا القرآن من وضع البشر لارتقوا عنه بعد خروجهم من الأمية وتوغلهم في العلوم العقلية من رياضية وطبيعية وفلسفية.

ومما تفضل به كتب الحنابلة سائر الكتب أنها يحتاج إليها في كل زمان، وكتب الأشاعرة قد استغنى الناس عن معظم نظرياتها الآن؛ لأن معظمها من الفلسفة اليونانية، وقد نسخت، وفي مناظرة فرقة المعتزلة، وقد انقرضت. 

نعم، لا أقول: إن كل ما كتب الحنابلة من المسائل والمباحث صواب، وإنها معصومة من الخطأ؛ فإليها المرجع والمآب، فإن العصمة لكتاب الله وحده {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء: 82)) .

 

«مجلة المنار» (8/620).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق